ولعل الصواب مع الذين لم يجيزوا " ضع وتعجل " للأسباب الآتية:
١- الحديث الذي استدل به – مع اشتهاره – غير ثابت قال الحافظ ابن كثير: روى البيهقي وغيره أنه كانت لهم – أي لنبي النضير – ديون مؤجلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ضعوا وتعجلوا)) وفي صحته نظر، والله أعلم ٠ البداية والنهاية ٤/٧٥) .
وفي سنن البيهقي (٦/٢٧) نجد " باب من عجل له أدنى من حقه قَبْل محله فقَبِلَه ووضع عنه طيبة به أنفسهما ".
وتحت الباب يذكر بسنده أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحب أن يظله الله في ظله فلينظر معسرًا، أو ليضع عنه)) وحديثًا آخر: ((من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينظر معسرًا أو ليضع عنه)) .
ثم يذكر أن ابن عباس كان لا يرى بأسًا أن يقول: أعجل لك وتضع عني قال: وقد روي فيه حديث مسند في إسناده ضعف، وذكر هذا الحديث الضعيف.
وبعد هذا الباب السابق يأتي " باب لا خير في أن يعجله بشرط أن يضع عنه " (٦/٢٨) .
وتحت الباب ذكر عدة أخبار تتفق مع روايات عبد الرزاق التي أثبتناها من قبل.
٢- لو صح الحديث يمكن أن يدل على حكم خاص لا يقبل التعميم، فالأمر هنا لليهود، وهم الذين قال الله تعالى فيهم:
{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (١٦٠) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [سورة النساء: الآيتان ١٦٠-١٦١] .
فيما يضعونه قد يكون من الربا، ومن أموال الناس التي أكلوها بالباطل، وهذا لا ينطبق على المسلمين.
٣- ابن عباس – رضي الله عنهما – حبر الأمة وترجمان القرآن، ولكنه عندما يجتهد وينفرد بالرأي دون الصحابة الكرام، فقد لا نجد حرجًا في عدم الأخذ بهذا الرأي، ولذلك خالفه التابعون، والأئمة الأعلام.
٤- قد لا نجد فرقًا بين أن يأخذ الدائن مائة لتأجيل ألف، وأن يعطي مائة لتعجيل ألف. والحالة الثانية في حقيقتها هي " ضع وتعجل " ولذلك كان قول الإمام مالك: " هذا الربا بعينه، لا شك فيه ".