للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع

اقتران تأجيل الدين بزيادة فيه

إذا أدى المدين دينه فالأصل أن يؤديه بلا زيادة أو نقص.

أما إذا أدى زيادة طابت بها نفسه بدون اشتراط فلا غبار على صحة زيادته ويأخذها الدائن حلالًا، لأن ذلك من حسن القضاء الذي ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((خياركم أحسنكم قضاء)) (١) ، وسواء كان الدين حالًّا أم مؤجلًا وهذا الذي قلنا هو محل اتفاق العلماء إذا كان الدين متولدًا عن بيع (٢) .

أما لو اشترطت الزيادة في الدين مقابل تأجيله فإن له صورًا ثلاثًا:

الصورة الأولى: أن تشترط الزيادة بعد تمام العقد، كما لو باع شخص لآخر سلعة بألف ثم قال للمشتري: إن شئت أجلت لك الدين ويكون الدين ألفًا وخمسين وهذا التصرف باطل وهو ربا الجاهلية المحظور شرعًا.

الصورة الثانية: أن يقترن شرط الزيادة في العقد فيقول البائع: بعتك السلعة بألف نقدًا وإن شئت نسيئة بألف وخمسين، وهذه كالصورة التي قبلها إذ هو بيع اقترن بشرط فاسد، وهذا الشرط الفاسد متمثل في كونه (بيعتين في بيعة) وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقد فسر قوله صلى الله عليه وسلم ((بيعتين في بيعة)) (٣) ، أو صفقتين في صفقة على عدة أوجه أشهرها قول البائع: بعتك نقدًا بعشرة ونسيئة بعشرين، هذا التفسير نقله ابن قدامة عن مالك والثوري وإسحاق وهو رأي الجمهور، وقرروا بطلان مثل هذا العقد، كما أنه تفسير منقول عن أبي عبيد القاسم بن سلام وهو تفسير سماك راوي الحديث (٤) .


(١) فتح الباري: ٥/٥٦- ٥٩، صحيح مسلم: ٣/١٢٢٤.
(٢) جاء في القوانين الفقهية، ص ٢٤٩: (وإن قضى المدين أكثر من الدين، فإن كان من بيع جاز مطلقًا سواء كان الفضل صفة أم مقدارًا في الأجل أو قبله أو بعده إذا كان الفضل في إحدى الجهتين، ومنع إن دار من الطرفين لخروجه عن المعروف، وإن كان الدين من السلف: فإن كان بشرط أو وعد أو عادة منع مطلقا، وإن كان بغير شرط ولا وعد ولا عادة جاز اتفاقًا في الأفضل صفة لأن النبي صلى الله عليه وسلم استلف بكرًا وقضى جملًا بكرًا خيارًا، واختلف في الأفضل مقدارًا: (ففي المدونة لا يجوز إلا في اليسير جدًا، وأجازة ابن حبيب مطلقًا) ، ومنع أحمد في رواية أخذ الزيادة وروي ذلك عن أبي بن كعب وابن عبيد وابن عمر، وأوجبوا على الدائن أن يأخذ مثل قرضه ولا يأخذ فضلًا لأنه يكون قرضًا جر منفعة، وهذا خلاف الجمهور (المغني والشرح ٤/٣٥٤) ورأي الجمهور هو الراجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله، وكون القرض يجر منفعة بدون اشتراط يتعارض مع باب المعروف والتبرع المندوب إليه شرعًا ولأن الربا لا يتحقق بلا شرط) والله أعلم
(٣) حديث " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة " رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان، ولأبي داود من حديث أبي هريرة: " من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا " (سبل السلام: ٣/١٦) .
(٤) انظر: المغني والشرح الكبير: ٤/٤٩٠، القوانين الفقهية: ص ٢٢٣، فتح القدير: ٥/٢١٨، الخرشي: ٧٢ -٧٣ /٥ الروضة الندية شرح الدرر البهية: ٢/١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>