للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصورة الثالثة: أن تشترط الزيادة في الدين مقابل تأجيله قبل العقد، كما لو قال البائع: أبيعك هذه السلعة نقدًا بمائة ونسيئة بمائة وعشرين، فيلاحظ أنه قد استخدم لفظ الفعل المضارع وهو يفيد التخيير لا الجزم، فإن اختار المشتري أحد الطريقين للشراء ووافقه البائع فإن البيع ينعقد على أحد الوجهين بالنقد أو بالنسيئة مع قرينة إرادة الحال لا الاستقبال.

وهذا الوجه صححه طاوس والحكم وحماد (١) ، وهو اختيار المالكية حسب شرح العدوي على الخرشي (٢) ، وهو مقتضى توجيه الشافعية حسب ما صرح به السبكي من أن الشرط المبطل للتصرفات هو الشرط المقارن فلو تقدم لم يبطل (٣) .

وخرج ابن قدامة وجهًا في الصحة (٤) .

ويبدو لي أن هذه الصورة هي الشائعة في سوق التعامل اليوم، إذ أن المشتري مخير بين أمرين: إما أن يشترى بالنقد كذا، أو بالنسيئة بكذا ويتعاقد على هذا الأساس، وهذه الزيادة لا يبدو أنها تسبب جهالة أو أنها من الربا، لأنه جاز للمشتري أن يشتري نقدًا بثمن النسيئة، فلو كان ثمن النقد وثمن النسيئة مائة وعشرين فإنه يجوز للمشتري أن يشتري بمائة وعشرين نقدًا أو نسيئة.

فلما كان الأمر كذلك وأنه مبني على تخيير المشتري في المضي على أحد السبيلين في التعاقد – ولاشك أن للأجل اعتبارًا في تقدير الأثمان في نظر العلماء – لذلك فإن الجواز في هذه الصيغة يمكن المصير إليه والله أعلم.

على أن الإمام الأوزاعي يوافقه عطاء بن أبي رباح يذهبان إلى أنه إذا اقترن العقد بالنقد بعشرة وبالنسيئة بخمسة عشر فإنه صحيح على أن لا يفارقه قبل المباتّة باختيار إحدى البيعتين، فإن أخذ السلعة قبل المباتّة وقع البيع بأقل الثمنين لأبعد الأجلين (٥) .

فيلاحظ أنه قد اعتبر من النقد الثمن ومن النسيئة الأجل فروعي جانب المشتري. لكن يمكن أن يقال إن الحكم بني على إيجاب وقبول غير متفقين، لأن الثمن تقرر من صيغة البيع نقدًا، والأجل تقرر من صيغة البيع نسيئة، وهذا لا يخلو من النظر والله أعلم.


(١) المغني والشرح الكبير: ٤/٢٩٠.
(٢) حاشية العدوي: ٥/٧٣.
(٣) فتاوى السبكي: ١/٣٥٠.
(٤) وتخريجه جاء بناء على الإجارة حيث قال: وإن قال إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فعن أحمد فيه روايتان: إحداهما – لا يصح وله أجر المثل وهو مذهب الجمهور. الثانية – يصح وهو قول الحارث العكلي وأبي يوسف ومحمد لأنه سمى لكل عمل عوضًا معلومًا. (المغني والشرح: ٦/٨٧) لكن ابن قدامه احتمل عدم صحة هذا الوجه للفرق حيث يمكن صحته بناء على كونه جعالة يحتمل فيها الجهالة بخلاف البيع ٠ (المغنى والشرح: ٤/٢٩٠)
(٥) انظر كتاب: فقه الإمام الأوزاعي للدكتور عبد الله محمد خليل الجبوري ٢/٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>