للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٠-٥ حاجتنا العلمية والعملية إلى مفهوم " الربا الحلال ":

لقد أوضحنا في مبحث " الربا ربوان " كيف أن الربا لا يحرم كله، سواء كان ربا نسيئة، أو نساء، أو فضل، وإن الربا جائز في غير الأموال الربوية، كالحيوان بالحيوان عند جمهور العلماء، كما قال النووي.

ونسوق ههنا عبارات بعض العلماء:

قال ابن عباس: هما ربوان، أحدهما حلال، والآخر حرام (تفسير الماوردي ٣/٢٦٨) .

" تحريم بعض البيع، وإحلال بعض الربا " (تفسير الماوردي ١/٢٨٩) .

" تحريم بعض البيوع، وإحلال بعض الربا " (تفسير الألوسي ٣/٥٠) .

" الظاهر عموم البيع والربا (. . .) إلا ما خصه الدليل من تحريم بعض البيوع، وإحلال بعض الربا " (تفسير الألوسي ٣/٥٠) .

" وهي من الربا الجائز " (حاشية الشرقاوي ٢/٣٨، والمنتقى للباجي ٥/٩٩) .

وهنا قد يسأل سائل: كيف تقول أنت وهؤلاء العلماء بأن الربا جائز، والله تعالى يقول: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [سورة البقرة: الآية ٢٧٥] ؟ نجيب بأن الثابت عند المفسرين وعلماء الفقه والأصول أن ليس كل بيع حلالًا، ولا كل ربا حرامًا فقد حرمت السنة النبوية بعض البيوع، كبيع الذهب بالذهب مع الفضل، أو مع النساء، وبيع الذهب بالفضة مع النساء، وبيع الغرر، وبيع العينة، وبيع الطعام قبل قبضه، وبيع الحاضر للبادي. . . الخ (قارن الرسالة للشافعي ص ٢٣٢، وتفسير الرازي ٧/٩٣) .

هذه هي عبارات العلماء في الربا الجائز وقد آن الأوان لنتساءل عن حاجتنا إليه.

مر معنا أن الحاجة متعينة إليه علميًّا، لتفسير جواز الزيادة في البدل المؤجل في البيع المؤجل، كالزيادة في الثمن في بيع الأجل أو بيع التقسيط.

وكذلك فإن حاجتنا متعينة إليه علميًّا وعمليًّا، في مجال دراسات الجدوى الاقتصادية وتقويم المشروعات، لأجل المفاضلة بين هذه المشروعات، حيث هناك أهمية كبيرة لإدخال البعد الزمني في معايير الجدوى والتقويم، ومراعاة أثر الزمن (= الوقت) على قيمة النقود والأموال، كما هو معروف عند أهل الاختصاص.

فالمشروعات أو الاستثمارات مختلفة التكاليف والمردودات والأزمان والمخاطر، فأرباح المشروعات تقدر على أزمان متلاحقة، أي ليست متساوية في الزمن، والربح في تاريخ وقوعه ربح، ولكن تقويمه في تاريخ لاحق هو، في العلم، ربا، وتقويمه في تاريخ سابق هو، في العلم، حطيطة (= وضيعة) ، والحاجة داعية إلى معرفة مجموع تدفقات (=تيارات) الأرباح في زمن واحد (التدفقات النقدية المخصومة، أو الميزانية الاقتصادية المخصومة) ، فلابد من تقويمها في زمن واحد، وعندئذ نحتاج إلى مفهوم الربا الحلال وغني عن البيان أن سعر الخصم يزيد بزيادة المخاطرة، وينقص بنقصانها.

<<  <  ج: ص:  >  >>