إذا نظرنا إلى القواعد الفقهية المعروفة ولاسيما إلى قوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} فيبدو أن نأخذ بقول من يقول: إن الديون كلها تحل بموت المدين. ولكن الاتجاه الآخر الذي ذهب إليه الدكتور السالوس، وايده غير واحد من الإخوة، له وجه أيضًا، ولكنني أرى أن التحضير عندنا غير كافٍ للبتِّ في هذا الأمر، لأن الدكتور السالوس عندما تقدم بهذا الاقتراح لم يبين مأخذه ولم يتعرض لما قاله الفقهاء في هذا الصدد، وقد ذكر الأستاذ الزحيلي أن عند الشافعية قولًا يجيز تأجيل الدين في مثل هذا، ولكنه غير متأكد أيضًا، فأرى أننا لا يمكن أن نَبتَّ في هذا الموضوع إلاَّ بتحضير كافٍ والتعرض لكل مذاهب الفقهاء وكافة دلائلهم.
الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أستغرب كلام الإخوان، فنحن كمن يرى العين ويقتفي الأثر، فالأمور واضحة وهناك نصوص قرآنية، ثم نحن بعد ذلك نبحث عن شيء ليس موجودًا، والبعض يقول: نظن أن مذهب الشافعي كذا. في الحقيقة نود أن يؤكد هذا الظن، ويقدم لنا مذهب الشافعي، ثم هو يرى أنه خاص بمذهب أبي حنيفة وهو ليس خاصًّا بمذهب أبي حنيفة بل هو مذهب مالك وأحمد ومذهب الأئمة جميعًا أن الدين يحل بالموت، وكيف تجعلون الدين يحل بالفلس والمدين ما زال حيًّا لا يحق له أن يطلب نَظِرة من الدائنين؟ ومع ذلك لا تقولون إن الدين يحل بالموت.
هناك ما هو أغرب، البعض يقول: إذا كان أبوهم معسرًا فإنه يؤجل والحال أن المعسر لا شيء عليه، أما الورثة فقد قال بعضهم:" الغنم بالغرم ". فعلًا هو كذلك لأن الورثة إذا كان مورثهم مطالبًا بدين ولم يكن له مال فليس عليهم شيء، ثم إن المال لا ينتقل إلى الورثة إلا بعد أداء الدين فصاحب الدين يحل محل الميت والدين يحل بالموت – وهي هنا بالكسر فقط – هذه الديون الحالّة، القرآن الكريم قال:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} قال بعضهم: هذا مقيد بالديون الحالّة هذا التقييد ليس معروفًا فالآية فيها إطلاق، إذن فالورثة لا حق لهم أصلًا إلا بعد قضاء الديون، والورثة ليسوا طرفًا فلو كان المورث معسرًا ما نابوا عنه في قضاء الدين، قول النبي صلى الله عليه وسلم:((لا أصلي عليه)) منسوخ بالأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم مسئول عن دين الناس، فحينئذ لا الورثة ولا الإمام يمتنع من الصلاة عليه، إذن المفلس لا يستطيع أن يقول: أمهلوني. فكذلك صاحب هذا، وشكرًا.