للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المراد بالطعام:

يرى بعض الفقهاء أن الطعام يطلق على القمح خاصة، ويؤيدون رأيهم بما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب) (١) . فإن ظاهر هذا الخبر أن الطعام غير الشعير وما ذكر بعده، وقد حكى الخطابي: أن المراد بالطعام هنا الحنطة أي القمح، وان الطعام اسم خاص للقمح، وقد كانت لفظة الطعام تستعمل في القمح عند الإطلاق، حتى إذا قيل: اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح (٢)

ويرى آخرون أن الطعام لا يختص بالقمح، وإنما يشمل كل ما تعارف الناس على إطعامه، ويؤيدون رأيهم بما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري أيضًا، قال: كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعًا من طعام، وقال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر. فهذا نص في أن الطعام يطلق على غير القمح، فلعل أبا سعيد أجمل الطعام في الحديث الأول ثم فسره، أو أراد طعامًا آخر غير القمح، لأن القمح لم يكن قوتًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كان في زمن معاوية (٣)

والذي أرجحه أن الطعام في الحديث يشمل كل ما يطعم من قمح وشعير وسائر أنواع المطعومات، سواء كانت مأكولات كالتمر والفاكهة، أو كانت من الأدم كالزيت والعسل؛ لأنه يستعمل لغة في كل هذا. وإن كان العرب أطلقته على القمح أحيانًا، كما أطلقت المال على الإبل.

ولم أجد تعليلا مقبولا لقصره على القمح في هذا الحديث، وكون الطعام قد أطلق في بعض الأحاديث على القمح لا يعني أنه قد أصبح خاصًا به، لأنه أطلق في أحاديث أخرى على غير القمح أيضًا (٤)

المراد بالقبض:

نهت بعض الأحاديث عن بيع الطعام قبل كيله أو وزنه، وهذا لا يكون إلاَّ فيما بيع على الكيل أو الوزن، ونهت بعضها عن بيعه قبل تحويله من مكانه، وخصصت بعضها هذا الحكم بالجزاف، في حين أن بعضًا آخر نهى عن بيع ما اشتري جزافًا من الطعام قبل أن يحوزه التجار إلى رحالهم، وجاء في بعض الأحاديث النهي عن بيع الطعام قبل الاستيفاء، وفي بعضها النهي قبل القبض من غير تقييد بهيئة خاصة للقبض أو الاستيفاء.

ونستطيع أن نأخذ من هذا أن القبض في المكيل والموزون ونحوهما يكون باستيفاء قدره، وان القبض في الجزاف يكون بتحويله إلى رحل المشتري، أو إلى أي مكان آخر غير المكان الذي بيع فيه، ولم تتعرض الأحاديث للقبض في غير الجزاف والمكيل والموزون، فيرجع فيه إلى العرف.

هل النهي خاص بالطعام؟

خصصت كل الأحاديث المتفق على صحتها النهي عن البيع قبل القبض بالطعام، وهذا يدل بمفهومه على إباحة بيع ما عدا الطعام قبل قبضه، لأن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بالطعام بالنهي عن بيعه قبل قبضه دليل على مخالفة غيره له، وهذا رأي له وجاهته، ولكن مع هذا لا أرى الأخذ به، للأسباب الآتية:

١- علة النهي عن بيع الطعام قبل قبضه، سواء كانت الربا أو الغرر، موجودة في بيع غير الطعام قبل قبضه فيجب أن يسوى بينهما في الحكم.

٢- قول ابن عباس "ولا أحسب كل شيء إلاَّ مثله" يعني أن غير الطعام ينبغي أن يقاس على الطعام الثابت النهي عن بيعه قبل قبضه بالسنة، وهذا من تفقه ابن عباس، كما يقول ابن حجر (٥) ، وابن عباس هو راوي الحديث وهو أعرف بمرماه.

٣- حديث حكيم بن حزام الذي جاء فيه: ((إذا اشتريت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه)) وحديث زيد بن ثابت الذي ورد فيه النهي عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم. فإن كلمة (بيع) و (السلع) عامة تشمل الطعام وغيره.


(١) صحيح البخاري: ٢/١٣١
(٢) فتح الباري: ٣/٢٩١
(٣) فتح الباري: ٢/٢٩١، ٢٩٢
(٤) انظر، القاموس المحيط، وأساس البلاغة للزمخشري، والنهاية لابن الأثير
(٥) فتح الباري: ٤/٢٧٨، المطبعة البهية

<<  <  ج: ص:  >  >>