للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يجوز بيع قبل قبضه وما لا يجوز:

لا يجوز عند الحنفية أن يبيع المشتري المنقول قبل القبض، لأن في هذا البيع غررًا، لأنه لا يدرى هل يبقى المبيع أم يهلك قبل القبض، فيبطل البيع الأول، فينفسخ الثاني، لأنه مبني على الأول، ولا فرق بين أن يبيعه من بائعه أو من غيره، لأن علة المنع تصدق على الحالين.

أما العقار (١) فيجوز بيعه قبل قبضه عند الشيخين استحسانًا؛ لأن تلف العقار غير محتمل فانتفى الغرر. وقال محمد، وزفر: لا يجوز بيعه قبل قبضه كالمنقول، لأن الحديث الوارد فيه النهي عن بيع ما لم يقبض لم يفرق بين العقار والمنقول، أما الشيخان فيريان أن النهي معلل بخشية هلاك المبيع قبل تسليمه، وهذا محتمل في المنقول دون العقار، لذا لو كان العقار يخشى هلاكه قبل القبض، بأن كان على شط النهر أو في موضع لا يؤمن أن تغلب عليه الرمال، فهو كالمنقول لا يجوز بيعه قبل قبضه عند الجميع (٢) .

ويفرق المالكية بين الطعام وغيره، فغير الطعام يجوز بيعه قبل قبضه عقارًا كان أو منقولًا، مكيلًا أو غير مكيل، مستدلين بحديث: (من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يستوفيه) ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم خص هذا الحكم بالطعام فدل ذلك على أن غير الطعام مخالف له، غير أنه إذا بيع على الكيل أو الوزن فلا يجوز للمشتري أن يبيعه قبل قبضه بثمن مؤجل، وذلك لأن ضمان المكيل والموزون من البائع حتى يستوفى، فإذا باعه للمشتري بثمن مؤجل قبل أن يستوفى كان ذلك من بيع الكالئ بالكالئ (٣) .

أما الطعام (٤) ، فإن بيع جزافًا يجوز للمشتري أن يبيعه قبل قبضه، أي قبل أن ينقله من مكانه، وذلك لأن الجزاف عندهم يدخل في ضمان المشتري بنفس العقد، لأن استفياءه يكون بتمام العقد، وقد روى الوقار، عن مالك: أنه لا يجوز بيع شيء من المطعومات، بيع على الكيل أو الوزن أو العدد أو على الجزاف، قبل قبضه، وحكى القاضي أبو محمد: أن مالكًا استحب أن يباع بعد نقله، ليخرج من الخلاف (٥) . وإن لم يبع الطعام جزافًا بأن بيع مكايلة أو موازنة أو عدًّا فلا يجوز بيعه قبل قبضه، سواء أكان الطعام ربويًّا أم غير ربويّ على الأشهر، وروى ابن وهب عن مالك جواز بيع غير الربوي قبل قبضه (٦) .


(١) العقار عند الحنفية هو ما لا يمكن نقله من مكان لآخر، والمنقول ما يمكن نقله من مكان لآخر سواء بقي على حالته أو تغير فهو يشمل كل شيء غير الأرض. انظر: المدخل للفقه الإسلامي للأستاذ الدكتور محمد سلام مدكور: ٤٧٣، ط الأولى.
(٢) الأصل لمحمد: ٩١، والبدائع: ٥/١٨٠، وابن عابدين: ٤/٢٢٤
(٣) القوانين الفقهية: ٣٤١، والمنتقى شرح الموطأ: ٤/١٥٨ و ١٦٢ و ٣٨٠، و ٥/٣٥
(٤) والطعام عندهم يشمل كل ما تجب فيه الزكاة من الحبوب والأدم بجميع أنواعها. الموطأ: ٤/٢٨٩
(٥) القوانين الفقهية: ٢٤٩، وبداية المجتهد: ٢/١٤٦، ١٤٧، والمنتقى: ٤/٢٨٣، ٢٨٤
(٦) القوانين الفقهية: ٢٤٩، وبداية المجتهد: ٢/١٤٤،١٤٥، والمنتقى: ٤/٢٧٩، ٢٨٠، ٢٨٩، وانظر فيه دليل كل من الروايتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>