للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الشافعية فلا يجوز عندهم بيع أي مبيع قبل قبضه طعامًا أو غيره، منقولًا أو عقارًا، إلا بإذن البائع ولا بغير إذنه، لا بعد أداء الثمن ولا قبله، وذلك لحديث حكيم بن حزام، وحديث زيد بن ثابت (١) .

وأما الحنابلة فقد اختلفت الروايات في مذهبهم، فروي عنهم أن القبض شرط في المقدرات، فمن اشترى مكيلًا أو موزونًا، أو مزروعًا لم يجز تصرفه فيه قبل قبضه، سواء كان متعينًا كالصبرة أو غير متعين كقفيز منها.

أما غير المقدرات فيجوز تصرف المشتري فيها قبل قبضها على المشهور، وقال القاضي وأصحابه، إذا كان المقدر معينًا كالصبرة يبيعها من غير تسمية كيل، فإنه يجوز للمشتري التصرف فيها قبل قبضها، وقال ابن عبد البر: الأصح عن أحمد أن الذي يمنع من بيعه قبل قبضه هو الطعام وحده، معينًا أو غير معين، للأحاديث الدالة على ذلك وحكى أبو الخطاب عن أحمد: أن القبض شرط في كل مبيع، فلا يجوز بيع شيء قبل قبضه، واختار هذه الرواية ابن عقيل، لقول ابن عباس: "أرى كل شئ بمنزلة الطعام" (٢)

والشيعة الزيدية كالشافعية لا يجوز عندهم بيع شيء قبل قبضه لحديث حكيم: "إذا ابتعت مبيعًا فلا تبعه حتى تستوفيه" وهو عام في جميع المبيعات (٣) ، ومثلهم الظاهرية (٤) .

وروي عن عثمان بن عفان، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، والحسن، والحكم، وحماد بن أبي سليمان، والأوزاعي، وإسحاق، وأبي ثور أن كل ما بيع على الكيل والوزن لا يجوز يبعه قبل قبضه (٥) ، وروي عن عبد العزيز بن أبي سلمة، وابن حبيب، وربيعة، ويحيى بن سعيد: أن القبض شرط لصحة البيع في كل مكيل أو موزون أو معدود (٦) ، وعن الثوري روايتان: رواية بأن القبض شرط في كل مبيع (٧) ، وأخرى بأنه شرط في المطعومات خاصة سواء بيعت جزافًا أو بيعت على الكيل أو الوزن، أو العدد (٨) .

وقد أيد ابن القيم رأي من يمنع بيع كل شيء قبل قبضه (٩) .

وأنا أؤيده أيضًا، لأنه اقرب الآراء إلى ما يفهم من الأحاديث (١٠)


(١) المجموع شرح المهذب: ٩/٢٦٤ و ٢٧١
(٢) المغني: ٤/١٠٧ – ١١١ و ١١٣ و ١٢٤، والمحرر: ٣٢٢
(٣) البحر الزخار: ٣/٣١١
(٤) المحلى: ٨/٥١٨ – ٥١٩
(٥) المغني: ٤/١٠٧، وفيه أن إسحاق يمنع أيضًا بيع المعدود. والبحر الزخار: ٣/٢١١، وفيه أن سعيد بن المسيب يمنع أيضًا بيع المعدود والمزروع قبل قبضه، والمجموع شرح المهذب: ٩/٢٧٠، وفيه أن أبا ثور يمنعه في المأكول والمشروب، بداية المجتهد: ٢/١٤٤، والمحلى: ٨/٥٢٠
(٦) بداية المجتهد: ٢/١٤٥، والمنتقى: ٤/٢٨٠.
(٧) بداية المجتهد ٢/١٤٤، والمنتقى ٤/٨٠
(٨) المنتقى: ٤/٢٨٣
(٩) بدائع الفوائد: ٢٥٠، ٢٥١
(١٠) انظر: ص ٩ و ١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>