للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومذهب المالكية أن عقود المعاوضات التي يقصد بها المكايسة والمغابنة لا يجوز بيع ما ملكت به قبل قبضه. وتلك العقود هي البيع، والإجارة، والزواج بالنسبة للمهر، والصلح ونحو ذلك. . . وأن عقود المعاوضات التي لا يقصد منها المغابنة، وإنما تكون على جهة الرفق يجوز بيع ما ملكت به قبل قبضه، ويشمل هذا القسم القرض فقط، وأن عقود المعاوضات التي تتردد بين قصد المغابنة والرفق، وهي الشركة والتولية والإقالة، يجوز بيع ما ملكن به قبل قبضه إذا لم تدخل هذه العقود زيادة أو نقصان، وذلك للأثر الذي رواه مالك من مرسل سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه)) إلاَّ ما كان من شركة، أو تولية، أو إقالة ولأن هذه العقود إذا لم تدخلها زيادة أو نقصان، فإنما يراد منها الرفق لا المغابنة، فانتفت العلة التي من أجلها منع بيع الطعام قبل استيفائه، وهي مشابهته للعينة (١)

وعند الشافعية لا يجوز بيع ما ملك بعقد من عقود المعاوضات قبل قبضه، وذلك كالمبيع، والأجرة، والعوض المصالح عليه عن المال، والصداق على الأصح، ومثله بدل الخلع، وبدل الصلح عن دم العمد (٢) . فالشافعية يتفقون مع المالكية في منع بيع الصداق وما بعده، وإن كان تعليل الشيرازي للمنع يستلزم أن يكون رأيهم كرأي الحنفية، وذلك حيث يقول: "ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه كبيع الأعيان المملوكة بالبيع والإجارة والصداق وما أشبهها من المعاوضات قبل القبض. . . لأنه ربما هلك فانفسخ العقد" (٣)

هذا بالنسبة لعقود المعاوضات، وأما ما ملك بعقد لا معاوضة فيه فيجوز عند جمهور الفقهاء بيعه قبل قبضه، وذلك كالوصية، وكذلك ما ملك بغير عقد كالإرث (٤)

ويرى الظاهرية أن الطعام، والطعام عندهم هو القمح خاصة، لا يجوز بيعه قبل قبضه سواء أملك بعقد معاوضة كالشراء، أم بغير معاوضة كالهبة، أم بغير عقد كالميراث، وذلك لحديث ابن عباس: أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع حتى يقبض فهو الطعام، فهذا يدل على أن الطعام: بأي وجه ملك لا يجوز بيعه قبل قبضه، أما غير الطعام فلا يجوز بيعه قبل قبضه إذا ملك بالشراء خاصة، وذلك لحديث حكيم بن حزام: "إذا ابتعت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه"، فإنه يدل على أن المنهي عنه هو البيع فقط قبل القبض فيما ملك بالشراء فقط (٥) .


(١) بداية المجتهد: ٢/١٤٦، والمنتقى: ٤/٢٨٠ – ٢٨٢
(٢) المجموع شرح المهذب: ٩/٢٦٦ و ٢٦٧
(٣) المهذب: ١/٢٦٢
(٤) البدائع: ٥/١٨١، المنتقى: ٤/١٨٢، والمهذب: ١/٣٦٢، والمغني: ٤/١١٥، قال ابن قدامة: "ولا اعلم فيه مخالفًا"، وسنرى خلاف الظاهرية فيه بعد هذا مباشرة
(٥) المحلى لابن حزم: ٨/٥١٨ و ٥١٩ و ٥٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>