للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحنابلة يتفقون مع الحنفية في أن علة منع بيع الشيء قبل قبضه هي غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه فيقول ابن قدامة: لكن ما يتوهم فيه غرر الانفساخ بهلاك المعقود عليه لم يجز بناء عقد آخر عليه، تحرزًا من الغرر، وما لا يتوهم فيه ذلك الغرر انتفى المانع فجاز العقد عليه (١) .

والعلة عند الشيعة الزيدية هي ضعف الملك قبل القبض (٢) .

ويعلل ابن تيمية المنع: بعدم القدرة على التسليم، لأن البائع الأول قد يسلم البائع الثاني المبيع، وقد لا يسلمه، لاسيما إذا رآه قد ربح، فيسعى في رد البيع إما بجحد، أو باحتيال في الفسخ.

وكل هذه العلل ترجع إلى علتين في الواقع:

إحداهما: الربا، وهو ما يراه المالكية، وقد ذهب إلى هذا من قبلهم ابن عباس حين قال: "ذاك دراهم بدراهم والطعام مرجأ" (٣)

كما ذهب إليه أبو هريرة، وزيد بن ثابت حين قالا لمروان: "أحللت بيع الربا" (٤) .

وثانيهما: الغرر الناشئ عن عدم القدرة على التسليم، وهو رأي سائر الأئمة، غير أن عدم القدرة على التسليم، وهو رأي سائر الأئمة، غير أن عدم القدرة على التسليم سببها احتمال هلاك المحل عند الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وضعف الملك عند الزيدية، واحتمال عدم تسليم البائع الأول عند ابن تيمية، وكلتا العلتين متحققتان في عقد البيع.

ونضيف إلى هذا: أن في النهي عن بيع السلع قبل قبضها إيجاد فرص للعمل، وذلك لأن في بيع السلع قبل قبضها حرمانًا لعدد كبير من العمال الذين يقومون بالكيل والحمل، فإن التاجر يفضل أن يبيع السلعة وهي في مكانها ما دام يجد ربحا، ثم إنا لو أبحنا للتجار بيع السلع قبل قبضها، فإن أسعارها ترتفع وهي في مكانها فتعود الفائدة كلها إلى طبقة التجارة، ولا ينال العامل فائدة من هذه العمليات، في حين أنه يناله ضرر ارتفاع السعر، وفي هذا مصلحة للتاجر، وضرر للعامل، أما منع بيع السلع قبل قبضها فإن فيه مصلحة للعمال ولا ضرر فيه على التجار.


(١) المغني: ٤/١١٤
(٢) البحر الزخار: ٣/٣١٢
(٣) الاختبارات العلمية لابن تيمية مع الفتاوى
(٤) انظر صفحة ٦

<<  <  ج: ص:  >  >>