للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الرابع

أثر القبض في تقييد تصرفات المالكين

تبرم العقود وتترتب عليها أحكامها. وقد يتأخر القبض عن وقت العقد وربما يرغب من وجب له القبض أن يتصرف في الشيء قبل قبضه. فهل له ذلك؟ وما هي التصرفات التي يمكن أن يجريها؟

إن التصرفات التي يجريها مستحق القبض على المقبوض قد تكون من نوع المعاوضات كالبيع والإجارة وقد تكون من التبرعات أو غيرها.

وقد اختلفت كلمة الفقهاء على النحو التالى:

أولا: مذهب الحنفية

(١)

يفرق الحنفية بين العقار بين المنقول.

فبيع العقار قبل قبضه أجازه أبو حنيفة وأبو يوسف. بناء على أنه بيع تحقق ركنه من أهله في محله ولا احتمال للغرر في العقار لأن هلاكه نادر.

وخالفهما محمد بن الحسن فذهب إلى عدم جواز بيعه قبل قبضه عملًا بإطلاق أحاديث المنع فلا فرق بين عقار وغيره. وهو مذهب زفر ورواية عن أبي يوسف.

أما المنقول فقد اتفق فقهاء المذهب على أن لا يجوز بيعه قبل قبضه لمنع النبي صلى الله عليه وسلم بين الطعام حتى يستوفي، ولأن ابن عباس رضي الله عنه قال: أحسب كل شيء مثل الطعام.

وقد تقرر في المذهب هنا أصل وهو:

أن كل عقد ينفسخ بهلاك العوض قبل القبض لم يجز التصرف في ذلك العوض قبل قبضه كالمبيع في البيع والأجرة إذا كانت عينًا في الإجارة وبدل الصلح عن الدين إذا كان عينًا فلا يجوز بيع شيء من ذلك ولا أن يشرك فيه غيره، أما ما لا ينفسخ بهلاك العوض فإن التصرف فيه قبل القبض جائز كالمهر إذا كان عينًا وبدل الخلع والعتق على مال وبدل الصلح عن دم العمد فكل ذلك إذا كان عينًا يجوز بيعه وهبته وإجازته قبل قبضه وسائر التصرفات.

على أن الإمام محمد بن الحسن يرى أن كل تصرف لا يتم إلا بالقبض كالهبة والصدقة والرهن والقرض فإنه يجوز إجراؤه في المبيع قبل القبض إذا سلطه البائع على قبضه فقبضه لأن تمام هذه التصرفات بالقبض والمانع قد زال بخلاف البيع والإجارة، فإنه لازم بنفسه.

وهذا الاتجاه عند محمد لا يلقى تأييدًا عند أبي حنيفة وأبي يوسف.

ويلاحظ أن الحنفية يجيزون التصرف في الثمن قبل قبضه استبدالًا في غير الصرف والسلم.


(١) انظر فتح القدير والعناية شرح الهداية: ٥/٢٦٤ – ٢٦٥، بدائع الصنائع: ٥/١٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>