ينقل صاحب البدائع اتفاق أئمة الأحناف في أن أصل القبض يحصل بالتخلية في سائر الأموال إلا أنهم يختلفون في أنها هل هي قبض تام فيها، أم لا؟
ثم قال: وجملة الكلام فيه: أن المبيع لا يخلو إما أن يكون مما له مثل، وإما أن يكون مما لا مثل له.
فإن كان مما لا مثل له من المذروعات والمعدودات المتفاوتة فالتخلية فيها قبض تام بلا خلاف، حتى لو اشترى مذروعًا مذارعة، أو معدودًا معاددة، ووجدت التخلية يخرج عن ضمان البائع، ويجوز بيعه والانتفاع به قبل الذرع والعد بلا خلاف.
وإن كان مما له مثل، فإن باعة مجازفة فكذلك، لأنه لا يعتبر معرفة القدر في بيع المجازفة.
وإن باع مكايلة أو موازنة في المكيل والموزون، وخلي فلا خلاف في أن المبيع يخرج عن ضمان البائع، ويدخل في ضمان المشتري، حتى لو هلك بعد التخلية قبل الكيل والوزن يهلك على المشتري.
وكذا لا خلاف في أنه لا يجوز للمشتري بيعه والانتفاع به قبل الكيل والوزن.
وكذا لو أكتاله المشتري أو اتزنه من بائعه، ثم باعة مكايلة أو موازنة من غيره لم يحل للمشتري منه أن يبيعه أو ينتفع به حتى يكيله أو يزنه، ولا يكتفى باكتيال البائع أو اتزانه من بائعه وإن كان ذلك بحضرة هذا المشتري لما روي ((عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام حتى يجرى فيه صاعان؛ صاع البائع وصاع المشتري)) وروي أنه عليه الصلاة والسلام: ((نهى عن بيع الطعام حتى يكال)) .
حكم بيع المعدودات المتقاربة:
وأما المعدودات المتقاربة إذا بيعت عددا لا جزافًا فحكمها حكم المكيلات والموزنات عند أبى حنيفة حتى لا يجوز بيعها إلا بعد العد.
وعند أبي يوسف ومحمد حكمها حكم المذروعات فيجوز بيعها قبل العد.
وجه قولهما:
أن العددي ليس من أموال الربا كالذرع ولهذا لم تكن المساواة فيها شرطًا لجواز العقد كما لا تشترط في المذروعات فكان حكمه حكم المذروع.