للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا: وعلل الأحناف الحرمة لمكان انعدام القبض على التمام بالكيل أو الوزن وذلك أنه كما لا يجوز التصرف في المبيع المنقول بدون قبضه أصلًا لا يجوز بدون قبضه بتمامه.

ووجهوا قولهم بأن الكيل والوزن في المكيل والموزون الذي بيع مكايلة وموازنة من تمام القبض، أن القدر في المكيل والموزون معقود عليه، لأنه لو كيل فازداد لا تطيب له الزيادة بل ترد أو يفرض لما ثمن، ولو نقص يطرح بحصته شيء بصحته شيء من الثمن، ولا يعرف القدر فيهما إلا بالكيل والوزن لا حتمال الزيادة والنقصان، فلا يتحقق قبض قدر المعقود عليه إلا بالكيل والوزن، فكان الكيل والوزن فيه من تمام القبض. ولا يجوز بيع المنقول قبل قبضه بتمامه كما لا يجوز قبل قبضه أصلا بخلاف المذروعات. لأن القدر فيها ليس معقودا عليه بل هو جار مجرى الوصف، والأوصاف لا تكون معقودا عليها، ولهذا سلمت الزيادة للمشتري بلا ثمن. وفي النقصان لا يسقط عنه شيء من الثمن فكانت التخلية فيها قبضا تامًّا فيكتفى بها في جواز التصرف قبل الذرع بخلاف المكيلات والموزونات. إلا أنه يخرج عن ضمان البائع بالتخلية نفسها لوجود القبض بأصله والخروج عن ضمان البائع يتعلق بأصل القبض لا بوصف الكمال، فأما جواز التصرف فيه فيستدعي قبضًا كاملًا لورود النهي عن بيع ما لم يقبض، والقبض المطلق هو القبض الكامل (١) .

رابعا: وعللوا أيضا بأن البيع قبل القبض على غرر انفساخ العقد الأول على تقدير هلاك المبيع في يد البائع، وإذا هلك المبيع قبل القبض ينفسخ العقد فتبين أنه باع ما لا يملك والغرر حرام غير جائز، ولم يفرقوا بين الطعام وغيره من المنقولات (٢) .

وقال الشافعية: إن علة النهي لتوالي الضمانين ومعناه أن يكون المبيع مضمونًا في حالة واحدة لاثنين، وبيان ذلك أننا لو صححنا بيعه لكان مضمونًا للمشتري الأول على البائع الأول، والثاني على الثاني وسواء باعه المشتري للبائع أو لغيره. وقالت طائفة بجواز بيعه لبائعه تفريعًا على العلة الثانية وهي توالي الضمان فإنه لا يتوالى إذا كان المشتري هو البائع لأنه لا يصير في الحال مقبوضًا (٣) .

وعلل الحنابلة على الرواية التي اختارها ابن عقيل بأنه لم يتم الملك عليه فلم يجز بيعه كما لو كان غير متعين، وكما لو كان مكيلًا أو موزونًا (٤) .


(١) بدائع الصنائع: ٧/٣٢٤٨
(٢) الموسوعة الفقهية: ٩/١٢٤
(٣) المجموع: ٩/٢٦٦
(٤) المغني: ٤/٢٢١

<<  <  ج: ص:  >  >>