للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووبيان ذلك أن صاحب العينة يريد أن يدفع دنانير في أكثر منها نقدًا أو إلى أجل، فإذا علم بالمنع في ذلك توصل إليه بأن يذكر حنطة بدينار ثم يبتاعه بنصف دينار دون استيفاء ولا قصد لبيعه ولا لابتياعه، فلما كثر هذا وكانت الأقوات مما يتعامل بها في كثير من البلاد ولا سيما بلاد العرب، وكان ذلك مما يقصد لهذا المعنى كثيرًا لمعرفة جميع الناس لثمنه وقيمته ووجود أكثر الناس له منع من ذلك فيها، وشرط في صحة توالي البيع فيها تخلل القبض والاستيفاء، لأن ذلك نهاية التبايع فيها وإتمام العقد ولزومه، ولم يشترط ذلك في سائر المبيعات لأنه لم يتكرر تعامل أهل العينة بها، لأن ثمنها يخفى في الأغلب ويقل مشتروها.

والقسم الثاني: وهو ما صح أن يقع من عقود المعاوضة على وجه الإِرفاق ووجه المغابنة كالإِقالة والشركة والتولية، فإن وقع على وجه الرفق فإنه يصح أن يلي البيع في الطعام قبل القبض.

ووجه وقوعه على الرفق، أن يكون على حسب ما وقع عليه البيع فيه، فإن تغير عنه لزيادة ثمن أو صفة أو نقص أو مخالفة في جنس ثمن أو أجل خرج عن وجه الرفق إلى البيع الذي لا يجوز.

والأصل في جواز ذلك إذا وقع على وجه الرفق ما رواه سحنون في المدونة عن ابن القاسم عن سليمان بن يسار عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه إلاَّ ما كان من شركة أو تولية أو إقالة)) .

ومن جهة المعنى: أن هذه عقود مبنية على المعروف والمواصلة دون المغابنة والمكايسة التي لمضارعتها منع بيع الطعام قبل استيفائه.

والقسم الثالث: وهو ما يختص بالرفق من عقود المعاوضة كالقرض، فإنه يجوز أن يتكرر على الطعام قبل قبضه، وأن يلي البيع ويليه البيع لا خلاف في ذلك.

والضرب الثاني: وهو ما كان غير معاوضة، وهو ما يلزم في الذمة من الطعام بغير عقد مثل أن يلزمها بالغصب والتعدي. فقيل إنه كالقرض يجوز بيعه قبل قبضه.

وحكى القاضي أبو محمد أنه كالبيع إن كان مثلًا لمتلف ولا يجوز بيعه قبل قبضه.

وأما ما كان من العقود ليس فيه معاوضة كالهبة والصدقة والعطية فلا بأس أن يتوالى على الطعام قبل قبضه لأنها ليست من عقود المعاوضة ولا يتصور فيها معنى العينة التي لها منع بيع الطعام قبل اسيتفائه (١) .


(١) المنتقى: ٤/٢٨٠-٢٨٢، بداية المجتهد: ٢/١٤٣، ١٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>