للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيان ما يعتبر قبضًا وما لا يعتبر كذلك:

وتفصيل أقواله الأئمة فيه على الوجه التالي:

قال الأحناف: المبيع لا يخلو إما أن يكون في يد البائع، وإما أن يكون في يد المشتري.

فإذا كان في يد البائع فأتلفه المشتري صار قابضًا له، لأنه صار قابضًا بالتخلية فبالإِتلاف أولى، وكذلك كل تصرف نقص منه شيئًا، لأن التخلية تمكين من التصرف في المبيع، والإِتلاف تصرف فيه حقيقة، والتمكين من التصرف دون حقيقة التصرف، لأن هذه الأفعال في الدلالة على التمكين فوق التخلية، وكذلك لو فعل البائع شيئًا من ذلك بأمر المشتري، لأن فعله بأمر المشتري بمنزلة فعل المشتري نفسه.

ولو أعار المشتري المبيع للبائع أو أودعه أو آجره لم يكن شيء من ذلك قبضًا، لأن هذه التصرفات لم تصح من المشتري، لأن يد الحبس بطريقة الأصالة ثابتة للبائع فلا يتصور إثبات يد النيابة له بهذه التصرفات فلم تصح والتحقت بالعدم.

ولو أعاره أو أودعه أجنبيًا صار قابضًا لأن الإِعارة والإِيداع إياه صحيح فقد أثبت يد النيابة لغيره فصار قابضًا.

جناية الأجنبي:

ولو جنى أجنبي على المبيع فاختار المشتري اتباع الجاني بالضمان كان اختياره بمنزلة القبض عند أبي يوسف.

وعند محمد لا يكون. حتى لو توى الضمان على الجاني بأن مات مفلسًا كان التوى على المشتري ولا يبطل البيع عند أبي يوسف ويتقرر عليه الثمن، وعند محمد يبطل البيع والتوي (١) على البائع ويسقط الثمن عن المشتري (٢) .

وكذا لو استبدل المشتري الضمان ليأخذ مكانه من الجاني شيئًا آخر جاز عند أبي يوسف.

وعند محمد لا يجوز، لأن هذا تصرف في المعقود عليه قبل القبض، لأن القيمة قائمة مقام العين المستهلكة، والتصرف في المعقود عليه قبل القبض لا يجوز لا من البائع ولا من غيره.

ولو أمر المشتري البائع أن يعمل في المبيع عملًا، فإن كان عملًا لا ينقصه كالقصارة والغسل بأجر أو بغير أجر لا يصير قابضًا، لأن التصرف الذي يوجب نقصان المحل مما يملكه البائع باليد الثابتة كما إذا نقله من مكان إلى مكان فكان الأمر به استيفاء لملك اليد فلا يصير به قابضًا، وتجب الأجرة على المشتري إن كان بأجر، لأن الإِجارة قد صحت، ولأن العمل على البائع ليس بواجب فجاز أن تقابله الأجرة.

وإن كان عملًا ينقصه يصير قابضًا، لأن تنقيصه إتلاف جزء منه وقد حصل بأمره فكان مضافًا إليه كأنه فعله بنفسه (٣) .


(١) التوى يقال: توِيَ المال هلك وذهب فهو تو وتاوٍ ومنه: "لا توى على مال أمرئ مسلم" أنيس الفقهاء للقونوي: ص ٢٢٥.
(٢) بدائع الصنائع: ٧/٣٢٥٤.
(٣) بدائع الصنائع: ٧/٣٢٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>