للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناقشة والترجيح:

ويمكن أن نناقش أدلة الفريق الأول بما يأتي:

* أولًا: نناقش الاستدلال بالحديث الأول بما يأتي:

١- إنه ضعيف لا ينهض حجة، ولذلك ذكره البخاري تعليقًا بصيغة "ويذكر" دون الجزم، وقد وصله الدارقطني لكن في سنده منقذًا مولى ابن سراقة، وهو كما قال الحافظ "مجهول الحال" (١) ، وقال أيضًا: "لكن له طريق أخرى أخرجها أحمد وابن ماجه ... وفيه ابن لهيعة ولكنه من قديم حديثه ..." (٢) ، ومن المعروف أن عبد الله بن لهيعة مختلف في الاحتجاج به، فكثير من النقاد لا يحتجون بحديثه مطلقًا، وبعضهم يقبله إذا كان قبل احتراق كتبه، قال البخاري عن الحميدي كان يحيى بن سعيد لا يراه شيئًا، وقال ابن المديني عن ابن مهدي: لا أحمل عنه قليلًا ولا كثيرًا، وعن أحمد: ما حديث ابن لهيعة بحجة، ونقل عنه: أنه وصفه بالضبط والإِتقان، وقال أحمد بن صالح: " ابن لهيعة صحيح الكتاب " وقال ابن خراش: كان يكتب حديثه، فلما احترقت كتبه كان من جاء بشيء قرأه عليه، حتى لو وضع أحد حديثًا وجاء به إليه قرأه عليه، قال الخطيب: فمن ثم كثرت المناكير في روايته لتساهله، وذكر ابن حبان أنه سبّر أخباره قبل حرق كتبه وبعده فوجدها لا تصلح، حيث في روايات المتقدمين عنه تدليس عن المتروكين، وفي رواية المتأخرين عنه مناكير فوجب ترك الاحتجاج بها (٣) .

٢- ولو سلم قبوله، فإنه لا يدل على المطلوب، وذلك لأنه لا يدل على أن القبض لا يتم في المكيل والموزون إلا بالكيل، وإنما يدل على وجوب الكيل والاكتيال مطلقًا، بل إن شراح الحديث فسروه بأنه أمر بالعدالة في الكيل والوزن، قال ابن القيم "والمعنى أنه إذا أعطى، أو أخذ لا يزيد، ولا ينقص أي لا لك، ولا عليك" (٤) وقد فهم البخاري منه أن يدل على أن مؤنة الكيل على المعطي، ولذلك ترجم له: باب: الكيل على البائع والمعطي (٥) ، وإذا لم يفسر هكذا فإن ظاهر الحديث يدل على وجوب الكيل في كل بيع، وهذا لم يقل به أحد – على ما نعلم – لجواز البيع جزافًا، وبالعدّ والوزن.


(١) فتح الباري: ٤/٣٤٤.
(٢) فتح الباري: ٤/٣٤٤.
(٣) تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ط. دار صادر، بيروت: ٥/٣٧٤ - ٣٧٩.
(٤) فتح الباري: ٤/٣٤٥.
(٥) صحيح البخاري – مع الفتح: ٤/٣٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>