للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* ثانيًا: إن حديث ابن ماجه ضعيف، وذلك لأن في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو كما قال في الزوائد: ضعيف (١) ، وكان يحيى بن سعيد يضعفه، وأحمد يقول فيه: سيئ الحفظ مضطرب الحديث كان فقهه أحب إلينا من حديثه، وقال شعبة: ما رأيت أسوأ حفظًا من ابن أبي ليلى، وقال العجلي: كان فقهيًا صاحب سنة، جائز الحديث، وقال ابن معين: ليس بذاك، وقال أبو زرعة: ليس بالقوي، وقال أبو حاتم: محله الصدق، كان سيئ الحفظ شغل بالقضاء فساء حفظه، لا يتهم بشيء من الكذب، إنما ينكر عليه كثرة الخطأ، يكتب حديثه، ولا يحتج به (٢) .

فعلى ضوء ذلك لا يحتج بحديثه، ولا ينهض حجة في إثبات هذا الحكم. وبالإِضافة إلى ذلك فإن هذا الحديث في بيع الطعام قبل القبض، فلا يمكن تعميمه في جميع التصرفات، ولا في جميع أنواع المنقولات، فقد يكون النهي عن بيعه لخصوصية حيث إن البيع مبني على المساومة، وأن كلًا من العاقدين يريد الحصول على أحسن مكسب، فلو باعه قبل القبض وربح فيه فربما يفضي ذلك إلى أن يحاول البائع الوصول إلى الفسخ ولو ظلمًا، وإلى الخصام والنزاع، ولذلك قطع الشارع هذا الطريق، وسدَّ هذه الذريعة، ولذلك لا يقاس عليه غيره، ومن هنا أجازوا للمشترى إعتاقه قبل القبض (٣) .

وكذلك إن للطعام خصوصية في نظر الشريعة، ولذلك منع من الاحتكار فيه دون غيره، وخصه مع النقود بأحكام لا تتوفر في غيرهما، ومن هنا فلا يقاس عليه غيره من المنقولات وغيرها (٤) . ولذلك كله لم ينهض حجة على المطلوب فسقط الاستدلال به.

* ثالثًا: إن الأحاديث التي رواها مسلم خاصة بنهي البيع عن بيع الطعام الذي اشتري جزافًا قبل نقله وتحويله، فلا يعم ما هو قد اشتُري بالكيل والوزن، بدليل أن القائلين بالتفرقة بين المنقول وغيره في القبض يقولون: إن وزنه، أو كيله قبض حتى ولو كان في مكانه.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فالأحاديث كلها في بيع الطعام قبل القبض فلا يقاس على البيع غيره إلا بدليل معتبر، وكذلك لا يقاس على الطعام غيره لما ذكرنا آنفًا.


(١) الزوائد، المطبوع مع سنن ابن ماجه، ط. عيسى الحلبي: ٢/٧٥٠.
(٢) تهذيب التهذيب: ٣٠١-٣٠٣.
(٣) شرح سنن أبي داود لابن القيم، المطبوع بهامش عون المعبود، ط. المكتبة السلفية بالمدينة المنورة: ٩/٣٨٤.
(٤) الفروق للقرافي، ط. دار المعرفة، بيروت: ٣/٢٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>