للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* رابعًا: حديث الحاكم كما أوضحته الرواية الثابتة أيضًا في الطعام، بدليل أن المحتجين به أنفسهم لا يقولون بأن جميع السلع يتم القبض فيها بالتحويل إلى الرحال، بل إن الإِمام النووي صرَّح بأن "حوزه إلى الرحال ليس بشرط بالإِجماع "، ولذلك احتاج إلى التأويل بأن المراد به أصل النقل، "وأما التخصيص بالرحال فخرج على الغالب، ودل الإِجماع على أنه ليس بشرط في أصل النقل" (١) .

ولا شك أن هذا التأويل يجعل التمسك بظاهر النص ضعيفًا، ويفتح باب التأويل في معنى النقل أيضًا بأن يفسر التخصيص به على الغالب، أو من باب الإِرشاد والنصح دون الوجوب والإِلزام.

* خامسًا: إن جميع الأحاديث في النهي عن البيع قبل القبض، وليس في القبض نفسه، فلا تكون نصًّا في المطلوب.

وأما القول بأن العرف قاضٍ بهذه التفرقة بين المنقول وغيره، أو بين ما يكال ويوزن وبين غيره فغير مسلم على إطلاقه، بل فيه تفصيل، وهو أننا إذا قصدنا به العرف العام فلن يستقيم المعنى بدليل الخلاف الكبير بين الفقهاء، وكلهم يلتجئون إلى العرف، ولو أردنا به العرف الخاص فلا يكون عرف بلد حجة على عرف بلد آخر، ولا عرف زمن معيَّن على عرف زمن آخر، فقد ذكر ابن عابدين في رسالته الشهيرة في العرف أن الناس لو تعارفوا على بيع شيء بالوزن مع أنه كان النص الوارد فيه على أنه يباع بالكيل فإن هذا العرف الأخير مؤثر عند أبي يوسف، وذلك "لأن النص في ذلك الوقت إنما كان للعادة، فحيث كانت العلة للنص على الكيل في البعض والوزن في البعض هي العادة تكون العادة هي المنظور إليها فإذا تغيرت تغير الحكم، فليس في اعتبار العادة المتغيرة الحادثة مخالفة للنص، بل فيه اتباع النص، وظاهر كلام المحقق ابن الهمام ترجيح هذه الرواية، وعلى هذا فلو تعارف الناس بيع الدراهم بالدراهم، أو استقراضها بالعدد كما في زماننا لا يكون مخالفًا للنص ..." (٢) .

* * *


(١) المجموع: ٩/٢٨٣.
(٢) نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف، المطبوع ضمن رسائل ابن عابدين، طبعة الآستانة: ٢/١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>