* أحدهما: أن في سنده سماك بن حرب وهو ضعيف، وهذا غير مسلم على إطلاقه، بل إن بعض النقاد وصفوه بأنه يمكن تلقينه، ولا سيما في أحاديثه عن طريق عكرمة، أما أحاديثه عن طريق سعيد بن جبير – مثل الحديث الذي معنا – وغيره فأكثر النقاد وثقوه، وحكموا له بالضبط، بل إن جماعة منهم قبلوا حديثه مطلقًا، وقال ابن عدي: وأحاديثه حسان، وهو صدوق، وقال صالح بن أحمد، عن أبيه: سماك أصبح حديثًا من عبد الملك بن عمير، وقال ابن معين: ثقة وكان شعبة يضعفه، وقال العجلي بكري: جائز الحديث إلا أنه كان في حديث عكرمة ربما وصل الشيء، وقال أبو حاتم: صدوق ثقة، وقال يعقوب: وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وهو في غير عكرمة صالح، وليس من المثبتين، ومن سمع منه قديمًا مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيح مستقيم، والذي قال ابن المبارك – من أنه ضعيف – إنما نرى أنه فيمن سمع منه بآخره، وربما هذا التقويم الأخير هو المعتمد، والجامع بين الأقوال المختلفة حوله، وهذا الحديث هو ما رواه عنه حماد، وهو من متقدمي الرواة عنه، وقد تابعه إسرائيل بن يونس، ومهما قلنا في هذا الحديث فإنه لا ينزل إلى درجة الحديث الحسن، وهو ينهض حجة، وكيف لا، وقد حكم بصحته بعض النقاد مثل الذهبي، والحاكم، كما سبق؟
* ثانيهما: أنه موقوف. ويمكن أن يناقش بأنه وإن كان موقوفًا لكنه في حكم المرفوع، ولا سيما من ابن عمر الذي كان شديد التمسك بالآثار، ولا يخوض في الرأي إلا نادرًا ولا سيما في مثل القضايا الربوية.
ومن جانب آخر إذا كان للحديث طريقان طريق مرفوع، وطريق موقوف، فالرفع هو المرجح، ولا سيما أن الأئمة الخمسة قد رفعوه (١) .
الترجيح:
الذي يظهر لنا رجحانه بعد هذه الأدلة والمناقشة أن القبض هو التخلية، والتمكن من التسلّم دون التسلّم الفعلي فيما عدا الطعام حيث تدل الأحاديث على أن له نوعًا من الخصوصية والعناية والاهتمام لم توجد لغيره، فبالتحقيق لا يمكن إهمال هذه الأحاديث الدالة على وجوب قبض الطعام وكيله، أو وزنه إذا كان قد بيع بالكيل أو الوزن، ووجوب نقله وتحويله إذا كان قد بيع جزافًا، وأما فيما سوى الطعام فالأدلة ظاهرة ومتعاضدة في أنه لا يحتاج إلى النقل والتحويل، فقد رأينا أحاديث صحيحة دلت على أن القبض في الإِبل – مثلًا – قد تم بمجرد العقد، حيث قام الرسول صلى الله عليه وسلم بهبتها بعد العقد مباشرة دون النقل والتحويل، ولذلك لا يقاس على الطعام غيره من المنقولات.