للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشافعية صرحوا أن العقد الفاسد لا يملك فيه شيء ويلزمه الرد ومؤنته، وليس له حبسه لقبض البدل، ولا يرجع بما أنفق إن علم الفساد، وكذا إن جهل على الأصح (١) .

والحنابلة كذلك يوجبون الضمان على المشتري في العقد الفاسد بعد القبض. قال ابن رجب الحنبلي: "كل عقد يجب الضمان في صحيحه يجب الضمان في فاسده ... فالبيع والإِجارة والنكاح موجبة للضمان مع الصحة فكذلك مع الفساد، والأمانات كالمضاربة، والشركة والوكالة والوديعة، وعقود التبرعات كالهبة لا يجب الضمان فيها مع الصحة، فكذلك مع الفساد (٢) .

وقد اتفق الظاهرية مع الجمهور في أن العقد الفاسد لا يفيد الملك مطلقًا، لكنهم قالوا: "إن المثمن المقبوض في العقد الفاسد مضمون على المشتري ضمان الغصب سواء بسواء، والثمن مضمون على البائع إن قبضه، ولا يصححه طول الأزمان، ولا تغير الأسواق، ولا فساد السلعة، ولا ذهابها ... " (٣) .

وبعد هذا العرض يمكن القول بأن الفقهاء متفقون على أن المقبوض بعقد فاسد مضمون ما دامت طبيعة هذا العقد لو كان صحيحًا يوجب الضمان على التفصيل السابق بينهم، واتضح لنا أن القبض كان له أثره حتى مع كون العقد فاسدًا، كما أنه يمكننا تلخيص هذه الآراء السابقة في ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: أن المقبوض بعقد فاسد لا يفيد الملك مطلقًا، وهذا اتجاه الشافعية، وأحمد في المشهور من مذهبه.

الاتجاه الثاني: أن المقبوض بعقد فاسد يفيد الملك وهذا مذهب الحنفية.

الاتجاه الثالث: أن المقبوض بعقد فاسد إن فات أفاد الملك، وإن بقي ولم يتغير يجب رده ولم يفد الملك، وإن تغير حاله، أو سعره بنسبه الربع فيعتبر كالهلاك، وبالتالي فلا يرده، بل يرد قيمته إن كان قيميًا، وأما إن كان مثليًا فيرد المثل، وأما العقار فلا يؤثر فيه تغير الأسعار.


(١) المنثور في القواعد للزركشي: ٣/٨-١٢، الوسيط مخطوطة بدار الكتب الرقم ٣١٢ – فقه الشافعي) ورقة: ١٠٠، والتمهيد للإِسنوي ص ٦٠، والمنثور: ٣/٩، المنثور في القواعد: ٣/١٦-١٧.
(٢) القواعد لابن رجب: ص ٦٩، ويراجع: مجموع الفتاوى لابن تيمية: ٢٩/٣٢٧، ٤٠٦.
(٣) المحلى لابن حزم: ٩/٤١٨- ٤٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>