للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال العز بن عبد السلام: "اليدُ عبارةٌ عن القرب والاتصال، وللقرب والاتصال مراتب بعضُها أقوى من بعض في الدلالة أعلاها: ما اشتدّ اتصالُهُ بالإنسان، كثيابه التي هو لابسها وعمامته ومنطقته وخاتمه وسراويله ونعله الذي في رجله ودراهمه التي هي في كمه أو جيبه أو يده. فهذا الاتصال أقوى الأيدي لاحتوائه عليها ودنوّه منها. الرتبة الثانية: البساطُ الذي هو جالس عليه أو البغل الذي هو راكبٌ عليه، فهذا في الرتبة الثانية. الرتبة الثالثة: الدابة التي هو سائقها أو قائدها، فإنَّ يده في ذلك أضعفُ من يد راكبها. الرتبة الرابعة: الدار التي هو ساكنها. ودلالتها دون دلالة الراكب والسائق والقائد، لأنه غيرُ مستولٍ على جميعها. وتُقَدَّمُ أقوى اليدين على أضعفهما، فلو كان اثنان في دار فتنازعا في الدار وفي ما هما لابسانه، جُعِلت الدارُ بينهما بأيمانهما لاستوائهما في الاتصال، وجُعِل القولُ قولَ كل واحد منهما في ما هو لباسه المختص به، لقوة القرب والاتصال " (١) .

اليد باليد:

٨- يطلَقُ مصطلحُ "اليد باليد" في عرف جماهير الفقهاء على التقابض بين البلدين في مجلس العقد (٢) . فيقولون: بايعتُهُ يدًا بيد؛ أي حالًّا مقبوضًا في المجلس قبل افتراق أحدهما عن الآخر (٣) . أي بالتعجيل والنقد (٤) . جاء في المصباح المنير: "بعتُه يدًا بيد: أي حاضرًا بحاضر والتقدير: في حالة كونه مادًّا يده بالعِوَضِ، وفي حال كوني مادًّا يدي بالمُعَوَّضِ. فكأنه قال: بعتُهُ في حال كون اليدين ممدودتين بالعِوضين" (٥) . وقال العدوي: "قوله يدًا بيد" أي ذا يدٍ كائنة مع يدٍ، كناية عن كونهما مقبوضين" (٦) .

وخالف في ذلك الحنفية وقالوا: إن معنى "يدًا بيد" إنما هو التعيين دون التقابض. وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ربا البيوع "يدًا بيد" أي عينًا بعين. ولكنْ نظرًا لكون النقدين لا يتعينان بالتعيين، ولا يتحقق التعيُّنُ فيهما قبل التقابض، اعتُبِرَ التعيينُ دون التقابض في غير الصرف من بيع الأموال الربوية ببعضها، وذلك لحصول المقصود وهو التمكنُ من التصرف بالتعيين فيها، بخلاف النقدين، فحيث إنهما لا يتعينان إلابالقبض اشترط في الصرف التقابض (٧) .


(١) قواعد الأحكام في مصالح الأنام: ٢/١٢٠، وانظر مواهب الجليل للحطاب: ٦/٢٠٩.
(٢) شرح السنوسي المالكي على صحيح مسلم: ٤/٢٦٤، شرح السنة للبغوي: ٨/٦٠.
(٣) مرقاة المفاتيح للملا علي القاري: ٣/٣٠٧.
(٤) المغرب للمطرزي: ٢/٣٩٦، الأبِّي على صحيح مسلم: ٤/٢٧٠.
(٥) المصباح المنير: ٢/٨٤٩.
(٦) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني: ٢/١٢٩.
(٧) تبيين الحقائق للزيلعي وحاشية الشلبي عليه: ٤/٨٩، البحر الرائق: ٦/١٤١، البناية للعيني: ٦/٥٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>