للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحاصله أن مناط الموالاة واعتبارها أن العقدية لا تتحقق إلا إذا تحققت صورتها الاتصالية العرفية وإلا لم يتحقق عقد وارتباط، ثم رد عليه بأن مناط الحكم الشرعي بالصحة إن كان هو العقدية – كما يلاحظ من المنقطع القرآني الشريف {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ومن تعبيرات العلماء التي تعتبر العقدية مقومة للزوم – فهذا صحيح، أما لو كان المناط هو آية التجارة والبيع فلا يضره عدم صدق العقدية.

وربما يطرح البعض دليلًا عقليًا على اعتبار الموالاة باعتبار أن العقود تعني خلعًا ولبسًا ولا يمكن تصور الفاصل بينهما لأن ذلك يستلزم إضافة بلا محل.

وقد يقال: إن الإيجاب يعني نقل الملكية من حين صدوره فإذا تأخر عنه القبول فإما أن يكون قبولًا لتمام مضمون الإيجاب وحينئذ يلزم حصول نقل الملكية قبل تمام العقد (لأن الغرض أن الملكية بتمامها انتقلت من حين الإيجاب) ، أو لكون القبول لبعض مضمون الإيجاب (أي من حين القبول) فيلزم عدم التطابق بين الإيجاب والقبول وهو أمر معفو عنه عند الفصل القليل دون الكثير.

وقد يقال: إن العقد المركب من الإيجاب والقبول القائمين بنفس المتعاقدين بمنزلة كلام واحد إلا أن الإمام الخميني يشكل على كل هذه الاستدلالات.

فهو يرى أن العقد والبيع والتجارة ونحوها عبارة عن الأمور الناتجة من أسبابها إذ هي التي تبقى وهو ما يبدو للمتأمل في قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [سورة البقرة: الآية ٢٣٧] . والحاصل من الأسباب ليس أمرًا متدرجًا ولا هو مقولة ألفاظ حتى تلاحظ هيئته الاتصالية فلا يمكن قياسها على القراءة والتشهد والصلاة ونحوها وهو ما نلاحظة عند الإسفراييني (١) مثلًا.

أما المعتبر فهو ارتباط عهديتهما وهو حاصل مع بقاء الإيجاب اعتبارًا (بعد أن لم يلغ أو ينسى) . وحينئذ يصح ضم القبول إليه (فلو قال بعتك هذا الفرس فقم وفكر في ما هو صلاحك، فقام وتأمل ساعة أو ساعتين بل يومًا أو يومين فاختار القبول يصدق العقد عليه ويجب عليه الوفاء عرفًا وشرعًا) ، كما أن العهود الكتبية بين الدول وبيت الشركاء في التجارات لا يعتبر فيها التوالي لدى العقلاء فالمضر عدم ربط المسببات والمعتبر ربطها لا التوالي بين الإيجاب والقبول وبين الأسباب من غير فرق بين كون دليل التنفيذ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أو {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} أو {تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} (٢) .

أما ما قيل من حصول اللوازم الفاسدة إذا جاء فصل طويل بين الإيجاب والقبول من قبيل عدم التطابق بينهما، أو حصول النقل قبل تمام العقد، فإنه يقال فيه إن مضمون الإيجاب ليس النقل من حينه بل هو التمليك بعوض أو التبادل بين المالين ولكن ترتيب الأثر العرفي والشرعي يتوقف على انضمام القبول إليه.

أما الاستدلال العقلي فلا محل له في الأمور الاعتبارية على أن هناك رأيًا للإمام فيه الفصل المسألة، وهو أن مقوم العقد هو الإيجاب فقط، أما القبول فليس له إلا شأن تثبيت الأمر لما أوقعه الموجب.


(١) الشيرازي٢/٤١.
(٢) البيع: ١/٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>