للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العقد في اصطلاح الفقهاء:

يطلق العقد في الشريعة بإطلاقين عامّ وخاص، فالمعنى العام، يراد به كل التزام تعهد الإنسان بالوفاء به سواء كان في مقابل التزام آخر كالبيع والشراء ونحوه أم لا، كالنذر والطلاق واليمين، وسواء كان التزامًا دينيًّا كأداء الفرائض والواجبات أم التزامًا دنيويًّا، قال أبو بكر الجصاص: (كل شرط شرطه إنسان على نفسه في شيء يفعله في المستقبل فهو عقد، وكذلك النذور وإيجاب القرب وما جرى مجرى ذلك) (١) .

ونقل ابن رجب الحنبلي عن بعض فقهاء المذهب إطلاق العقد على الطلاق والنذر (٢)

ومن هنا يتضح لنا أن العقد بمعناه العام لا يشترط فيه تطابق إرادتين، بل يتحقق بإرادة منفردة كما رأيناه.

وفي هذا الخصوص يقول الأستاذ أحمد إبراهيم في مقال له في العقود والشروط والخيارات: (هل تسمى هذه التصرفات التي تتم بالإيجاب وحده من إعتاق وطلاق وإبراء ونحوها عقودًا، أو لا تسمى بذلك؟ لا شك في أنها عقود بالمعنى الأعم للعقد، إذ هي أمور وقعت في نفس الملتزم أولًا وعقد عليها نيته وعزم عليها عزمًا أكيدًا، ثم أبان عنها باللفظ أو بما يقوم مقامه) (٣) .

على أن بعض الفقهاء المحدثين حرصوا على التمييز ما بين العقد والإرادة المنفردة من هؤلاء الأستاذ علي الخفيف حيث قال: (ومن هذا يتبين أن المناط في وجود العقد على وجه الإجمال هو التحقق من وجود إرادتي العاقدين وتوافقهما على إنشاء التزام بينهما بما يدل على ذلك من عبارة أو كتابة أو إشارة أو فعل ... وعلى ذلك فالعقد عند الفقهاء لا يكون إلا بين طرفين ولا يكون بين طرف واحد، وإذا كان من طرف واحد لم يكن عقدًا وإنما يسمى التزامًا أو تصرفًا، وقد يسمى عقدًا تسمية لغوية) (٤) .

(أما المعنى الخاص للعقد فهو الالتزام الذي لا يتحقق إلا من طرفين. وهذا المعنى هو المراد عند إطلاق الفقهاء لفظ العقد، فهم يعنون به صيغة الإيجاب والقبول الصادرة من متعاقدين، وهذا هو المعنى الشائع في كتبهم) (٥) . قال ابن الهمام معقبًا على كلام صاحب الهداية: النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول، أي ذلك العقد الخاص لا ينعقد حتى تتم حقيقته في الوجود بالإيجاب والقبول (٦) . وعرفه ابن عابدين بقوله: (العقد مجموع إيجاب أحد المتكلمين مع قبول الآخر) (٧) .


(١) أحكام القرآن: ٣/٢٨٥.
(٢) قواعد ابن رجب، القاعدة التاسعة والثلاثون.
(٣) نقلًا عن مصادر الحق للأستاذ السنهوري الهامش رقم (٤) في ١/٧٦، والبحث منشور في مجلة القانون والاقتصاد السنة الرابعة.
(٤) انظر أحكام المعاملات الشرعية: ص ١٣٨
(٥) انظر الأشباه والنظائر للسيوطي: ص٣١٨، والأشباه والنظائر لابن نجيم: ص٣٣٦.
(٦) انظر فتح القدير: ٣/٩.
(٧) انظر رد المحتار على الدر المختار: ٣/١.

<<  <  ج: ص:  >  >>