للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الشيخ مصطفى الزرقا: (إن النطق باللسان ليس طريقًا حتميًّا لظهور الإرادة العقدية بصورة جازمة في النظر الفقهي بل النطق هو الأصل في البيان، ولكن قد تقوم مقامه كل وسيلة اختيارية أو اضطرارية مما يمكن أن يعبر عن الإرادة الجازمة تعبيرًا كاملًا مفيدًا) (١) .

يتضح لنا مما مضى أن صيغة العقد تعني ما يظهر حقيقة رغبة المتعاقدين في إنشاء العقد، سواء كان هذا التعبير باللفظ أو بالفعل أو بما سواهما، وهذه الصيغة اصطلح الفقهاء على تسميتها بالإيجاب والقبول.

وقد نحا رجال القانون الوضعي منحى فقهاء المسلمين في اعتبار الإرادة الظاهرة هي المظهر الخارجي للتعبير عن الإرادة الباطنة، وإن ما يدل عليها من قول أو فعل هو ركن العقد والصيغة التي ينشأ بها. واصطلحوا على تسمية هذه الصيغة بالإيجاب والقبول كما سيتضح لنا ذلك فيما بعد.

معنى الإيجاب والقبول في الاصطلاح:

لما كان الإيجاب والقبول هما الصيغة المعتمدة لإبرام أي عقد من العقود باعتبارهما الأداة الكاشفة لحقيقة ما يكنّه المتعاقدان، أصبح من اللازم بحث حقيقة هذين اللفظين وبأي شيء يتحقق كل منهما.

الإيجاب لغةً: الإثبات لأي شيء كان.

وشرعًا، عند الحنفية (هو الفعل الخاص الدال على الرضا الواقع أولًا سواء وقع من البائع كبعت أو من المشتري كأن يبتدئ المشتري فيقول اشتريت منك هذا بألف، والقبول الفعل الثاني) (٢) .

هل الترتيب شرط بين الإيجاب والقبول؟

لقد تبين لنا من خلال تعريف الحنفية للإيجاب والقبول أنهم يعتبرون فعل العاقد الأول هو الإيجاب سواء صدر من المملك وهو البائع أو من المملك إليه وهو المشتري، معنى هذا أنهم يشترطون صدور الإيجاب أولًا من الجهة المالكة للمبيع. وهذه وجهة نظر الشافعية أيضًا، ذكر ذلك النووي عند كلامه عن صيغة العقد حيث قال: يصح البيع سواء تقدم قول البائع: بعت أو قول المشتري: اشتريت (٣) . وقال الخطيب الشربيني: (ويجوز تقدم لفظ المشتري على لفظ البائع لحصول المقصود مع ذلك) (٤) . إلا أنه بعد ذلك ذكر أن الإمام الشافعي والقفال، اشترطا في صيغة العقد الترتيب بين الإيجاب والقبول، ومنعا تقدم القبول على الإيجاب.


(١) انظر المدخل الفقهي العام: ٢/٣٢٦.
(٢) ابن الهمام في فتح القدير: ٥/٧٤.
(٣) انظر الروضة: ٣/٢٣٦.
(٤) انظر مغني المحتاج: ٢/٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>