للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حدود مجلس العقد:

يؤخذ مما قدمنا من أقوال الفقهاء رحمهم الله تعالى أن المجلس هو المكان الذي يضم المتعاقدين ويبدأ من وقت صدور الإيجاب ويستمر ما دام المتعاقدان منصرفين إلى التعاقد ولم يبديا إعراضًا عنه.

ويعتبر المجلس منفضًّا في حالة الإعراض كما قلنا وفي حالة قيام العاقد وتركه المكان الذي صدر فيه الإيجاب.

ويعتبر المجلس قد استنفد غرضه في حالة قبول أو رفض الطرف الثاني.

ولو انفض المجلس دون أن يقبل الطرف المقابل، فالإيجاب يعتبر لاغيًا في هذه الحالة ولا فائدة في قبول الطرف الآخر بعدئذ، فإن أفصح عن قبوله، عد قبوله إيجابًا مبتدأ يحتاج إلى قبول من الطرف الأول في مجلس الإيجاب المبتدأ.

والعلة الفنية في مجلس العقد كما يقول الأستاذ السنهوري: إن الأصل هو ألا يتوقف الإيجاب على وجود القبول، لأن وجود الأخير يعني انعدام الإيجاب من زمان وجوده، فوجد القبول، والإيجاب منعدم، ولكن لو أردنا أن نعتبر ذلك، لآل الأمر إلى سد باب التعاقد، فتوقف الإيجاب على القبول حكمًا في مجلس العقد، وجعل المجلس جامعًا للشطرين مع تفرقهما للضرورة (١)

تبدل مجلس العقد:

لقد تفرع عن الكلام عن مجلس العقد واعتبار اتحاده شرطًا في صحة العقد حكم ما لو تبدل مجلس العقد، كأن يكون الطرفان الراغبان في إبرام عقد من العقود راكبين في عربة أو سفينة أو سائرين على الأرض، فهل يعتبر المتعاقدان في مثل هذه الحالة في مجلس واحد، وبالتالي ينطبق عليهما من الأحكام ما ينطبق على غيرهما ممن يضمهما مجلس واحد؟

الجواب على هذا: إن فقهاء الحنفية قد صوروا مجلس العقد تصويرًا ماديًّا عندما اعتبروا فيه وحدة المكان، فالمجلس، على رأيهم يتبدل بالمشي، لأن الإيجاب وقع في مكان ثم وقع القبول في مكان آخر حيث انتقل المتعاقدان خطوة عن المكان الأول الذي تمَّ فيه الإيجاب، والخطوة هذه تعتبر فاصلًا بين الإيجاب والقبول، فعليه لا يعتبر العقد مستكملًا شروطه في هذه الحالة، فلا ينعقد. وكذا الحال في السير على الدابة، وفي الوقوف ثم المشي أو السير، وتختلف السفينة عندهم عن الدابة من جهة أن المجلس لا يتبدل بجريان السفينة، لأن الماء هو السبب في تحريك السفينة ولا دخل للفرد في ذلك، والمتعاقدان لا يملكان إيقافها بعكس الدابة.

فعلى هذا الرأي يتبدل المجلس بالنسبة للراكبين على الدابة ولا يتبدل بالنسبة للراكبين على ظهر السفينة.

ويتبدل المجلس كذلك بالمضي في الصلاة أو في الشرب أو في الأكل أو في نوم المتعاقدين مضطجعين لا جالسين (٢) .

اعتراض الأستاذ السنهوري على تحديد مجلس العقد بوحدة المكان:

أثار المرحوم السنهوري اعتراضًا حول تحديد الحنفية مجلس العقد بالمكان دون أن ينظروا إليه من الناحية الزمنية، حيث قال: أليس الأولى أن ننبذ الوحدة المكانية والاستعاضة عنها بالوحدة الزمنية؟ (٣) .


(١) انظر مصادر الحق ٢/٧.
(٢) الكاساني في البدائع ٦/٢٩٩٣.
(٣) انظر مصادر الحق: ٢/١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>