وذكر القسطلاني في إرشاد الساري شرح البخاري (ج ٣ ص ٣٥٩) مثل ما قال ابن بطال.
وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي يشرح كلمة (أمية) الواردة في الحديث بقوله: " أمية في عدم معرفة الكتابة والحساب، فلذلك ما كلفنا الله تعالى بحساب أهل النجوم، ولا بالشهور الشمسية الخفية، بل كلفنا بالشهور القمرية الجلية ... ".
(سنن النسائي بشرح السيوطي ج ٤/١٤٠) .
وواضح من هذا أن الأمر باعتماد رؤية الهلال ليس لأن رؤيته هي في ذاتها عبادة، أو أن فيها معنى التعبد، بل لأنها هي الوسيلة الممكنة الميسورة إذ ذاك لمعرفة بدء الشهر القمري ونهايته لمن يكونون كذلك أي أميين لا علم لهم بالكتابة والحساب الفلكي.
ولازم هذا المفاد من مفهوم النص الشرعي نفسه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقومه العرب إذ ذاك لو كانوا من أهل العلم بالكتاب والحساب بحيث يستطيعون أن يرصدوا الأجرام الفلكية ويضبطوا بالكتاب والحساب دوراتها المنتظمة التي نظمتها قدرة الله العليم القدير بصورة لا تختل ولا تتخلف ولا تختلف حتى يعرفوا مسبقا بالحساب الفلكي. وكذا لو كل من يصل لديهم هذا العلم من الدقة والانضباط إلى الدرجة التي يوثق بها ويطمأن معها إلى صحته.
وهذا حينئذ - ولا شك - أوثق وأضبط في إثبات رؤية الهلال من الاعتماد على شاهدين ليسا معصومين من الوهم وخداع البصر ولا من الكذب لغرض أو مصلحة شخصية مستورة مهما تحرينا للتحقق من عدالتهما الظاهرة التي توحي بصدقهما، وكذلك هو - أي طريق الحساب الفلكي - هو أوثق وأضبط من الاعتماد على شاهد واحد حينما يكون الجو غير صاح والرؤية عسيرة كما عليه بعض المذاهب في هذه الحال.