مجلس العقد
روى الإمام مالك في الموطأ، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار)) .
قال مالك: وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه (١) .
قال عياض: وهذا أصل في جواز بيع المطلق والمقيد. قال الأبِّي: يعني بالمطلق المسكوت عن تعيين مدة الخيار فيه وبالمقيد ما عين فيه أمد الخيار.
فالمتعاقدان إذا حصل بينهما الاتفاق والتراضي على أركان العقد وشروطه تم العقد وانبرم بينهما ولاحق لأحدهما أن يرجع في التزامه سواء في نفس المجلس أو بعد انفضاضه.
والإيجاب المفتوح المتعارف بين التجار والشائع استعماله بين الناس، يقتضي العرض لشخص غير معين فإذا لحقه الإيجاب من أي شخص انبرم العقد، ولذلك صيغ مختلفة.
وهذا بخلاف المناداة على البضاعة والسلع، فهي ليست إيجابًا يتطلب القبول. ثم إنه في بيع المزايدة يحدث أن يقع الافتتاح للدلالة بثمن معين لكنه قابل للزيادة، فلا يمكن أن يكون الثمن المفتتح به إيجابًا وإن كان العرض بواسطة الدلّال في مفهومه الإيجاب لآخر ثمن يعرض.
يقول الشيخ عليش في منح الجليل [٢/٥٧٣] .
(إن الاستفتاح للدلّال بثمن ليبني عليه في المناداة من شخص عارف جائز لئلا يستفتح من يجهل القيمة بسوم قليل فيتعب الدلّال. وكان بالكتبيين في تونس رجل مشهور بالصلاح عارف بالكتب يستفتح للدلّالين ما يبنون عليه ولا غرض له في الشراء) .
والإمام مالك رضي الله عنه ينفي خيار المجلس، لأن الأصل في العقود اللزوم إذ هي أسباب لتحصيل المقاصد من الأعيان وترتب المسببات على أسبابها هو الأصل.
فالبيع والعقد حينئذٍ لازم تفرقًا أم لا فهو رضي الله عنه يقول عقب الحديث الذي يرويه: وليس لهذا عندنا حد معروف ولا أمر معمول به فيه.
وهو يدافع عن موقفه ويكتب إلى صاحب له فقيه متمكن ينصحه بالقول والإفتاء بعمل أهل المدينة ويبيّن له صحته في هذا التوجيه.
{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} الآية.
والناس تبع لأهل المدينة ... إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن وأُحلَّ الحلال وحرِّم الحرام، إذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم يحضرون الوحي إلى آخر كتابه) .
وأجاب اتباع مالك عن الحديث بحمل (المتبايعان) على المتشاغلين بالبيع، فإن باب المفاعلة شأنها اتحاد الزمن كالمضاربة ويكون الافتراق بالأقوال كقوله سبحانه:
{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [الآية ١٢٩ من سورة النساء] .
(١) وروي هذا الحديث عن أبي الحسن الشيرازي، عن زاهر بن أحمد، عن أبي إسحاق الهاشمي، عن أبي مصعب، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار) . قال البغوي: هذا حديث متفق على صحته، أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم في باب البيوع. وأخرج مسلم عن قتيبة، عن ابن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعًا أو يخير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن يتبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع) . قال البغوي: حديث متفق على صحته. وفي الصحيحين: للبخاري ومسلم، عن عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بيعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار) .