للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكون الافتراق مجازًا جمعًا بين الأدلة ولأن ترتيب الحكم على الوصف يدل عليه ذلك الوصف لذلك الحكم فوصف المفاعلة هو علة الخيار فإذا انقضت بطل الخيار ببطلان سببه وحمل المتبايعين على من تقدم منه البيع مجازًا كتسمية الخبز قمحًا والإنسان نطفة.

حتى يقول: وأجيب أيضًا بأنه معارض بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر وهذا منه، لأن كل واحد لا يدري ما يحصل له وهو خيار مجهول العاقبة فيبطل، ولأن الأمر في قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} للوجوب وهو ينافي الخيار.

ونقل محمد بن الحسن عن أبي حنيفة معنى الحديث إذا قال: بعتك فله أن يرجع ما لم يقل المشتري قد قبلت وليس المراد ظاهره أرأيت لو كان في سفينة أو قيد أو سجن كيف يفترقان؟ والمذهب الحنبلي يقرر أنه لكل واحد من المتبايعين حق فسخ البيع ما داما مجتمعين لم يتفرقا بأبدانهما فإذا تفرقا من غير فسخ لم يكن لأحدهما رد البيع إلا لعيب أو شرط [المغني، لابن قدامة] .

يقول ابن رشد الحفيد موضحًا هذا الموضوع وباسطًا أسباب الخلاف [بداية المجتهد: ٢/١٦٠] :

اختلفوا متى يكون اللزوم، فقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وطائفة من أهل المدينة: إن البيع يلزم في المجلس بالقول وإن لم يفترقا. وقال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وابن عمر من الصحابة رضي الله عنهم: البيع لازم بالافتراق من المجلس وإنهما مهما لم يفترقا فليس يلزم البيع ولا ينعقد وعمدتهم حديث مالك عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا إلا بيع الخيار)) . وفي بعض الروايات هذا الحديث إلا أن يقول أحدهما لصاحبه اختر. وهذا الحديث إسناده عند الجميع من أوثق الأسانيد وأصحها حتى لقد زعم أبو محمد أن مثل هذا الإسناد يوقع العلم وإن كان من طريق الآحاد.

وأما المخالفون فقد اضطرب بهم وجه الدليل لمذهبهم في رد العمل بهذا الحديث.

فالذي اعتمد عليه مالك رحمه الله في رد العمل به أنه لم يلف عمل أهل المدينة عليه، مع أنه قد عارضه عنده ما رواه من منقطع حديث ابن مسعود أنه قال: أيما بيعين تبايعا فالقول قول البائع أو يترادّان. فكأنه حمل هذا على عمومه وذلك يقتضي أن يكون في المجلس وبعد المجلس. ولو كان المجلس شرطًا في انعقاد البيع لم يكن يحتاج فيه إلى تبيين حكم الاختلاف في المجلس لأن البيع بعدُ لم ينعقد ولا لزم بعد الافتراق من المجلس.

<<  <  ج: ص:  >  >>