للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الحديث منقطع ولا يعارض به الأول وبخاصة أنه لا يعارضه إلا مع توهم العموم فيه والأولى أن يبني هذا على ذلك.

وهذا الحديث لم يخرجه أحد مسندًا فيما أحسب. فهذا هو الذي اعتمد عليه مالك رحمه الله في ترك العمل بهذا الحديث.

وأما أصحاب مالك فاعتمدوا في ذلك على ظواهر سمعية وعلى القياس، فمن أظهر الظواهر في ذلك قوله عزَّ وجلَّ:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [الآية ١ من سورة المائدة] .

والعقد هو الإيجاب والقبول والأمر على الوجوب. وخيار المجلس يوجب ترك الوفاء بالعقد إذْ يمكن الرجوع في البيع بعدما أنعم ما لم يفترقا.

وأما القياس فإنهم قالوا: عقد معاوضة فلم يكن لخيار المجلس فيه أثر، مثل النكاح والخلع والرهن والصلح. فلما قيل لهم: الظواهر التي تحتجون بها يخصصها الحديث المذكور فلم يبق لكم في مقابلة الحديث إلا القياس فيلزمكم على هذا أن تكونوا ممن يرى تغليب القياس على الأثر، وذلك مذهب مهجور عند المالكية وإن كان قد روي عن مالك تغليب القياس على السماع مثل قول أبي حنيفة، فأجابوا عن ذلك بأن هذا ليس من باب رد الحديث بالقياس ولا تغليب وإنما هو من باب تأويله وصرفه عن ظاهره. قالوا: وتأويل الظاهر بالقياس متفق عليه عند الأصوليين قالوا: ولنا فيه تأويلان أحدهما أن المتبايعين في الحديث المذكور هما المتساومان اللذان لم ينفذ بينهما البيع فقيل لهم: إنه يكون الحديث على هذا لا فائدة فيه، لأنه معلوم من دين الأمة أنهما بالخيار إذ لم يقع بينهما عقد بالقبول. وأما التأويل الآخر فقالوا: إن التفرق ههنا إنما هو كناية عن الافتراق بالقبول لا التفرق بالأبدان كما قال الله تعالى:

{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [الآية ١٢٩ من سورة النساء] .

والاعتراض على هذا أن هذا مجاز لا حقيقة هي التفرق بالأبدان. ووجه الترجيح أن يقاس بين ظاهر هذا اللفظ والقياس فيغلب الأقوى والحكمة في ذلك هي لموضع الندم. اهـ.

والقرافي في الفروق ص١٩٦ يقول:

إن أصل العقود أن تلتزم بالقول لقوله سبحانه وتعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ، والمالكية أبطلوا خيار المجلس بناءً على أن هذه الآية قررت أصلًا من أصول الشريعة وهو أن مقصد الشارع إتمام العقود، وبذلك صار ما قررته مقدمًا عند مالك على خبر الآحاد ولذا لم يأخذ بحديث ابن عمر: ((المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا)) .

<<  <  ج: ص:  >  >>