للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويظهر أن هذا يتماشى مع أحكام الفقه الإسلامي في مبادئه العامة التي شرحناها سالفًا.

وعلى كلٍّ فالموضوع دقيق يتطلب بحثًا واسعًا.

ومتى يمكن للقابل أن يصدر القبول؟ وهل له فرصة للتفكير والتروِّي وإعمال الرأي؟

تقول المادة (٣٤) من المدونة المدنية التونسية:

(من صدر منه إيجاب بمراسلة بلا تحديد أجل بقي ملزمًا إلى الوقت المناسب لوصول الجواب إليه في مثل ذلك عادة ما لم يصرح بخلافه في الكتاب) .

والقانون المدني يفترض حصول تأخر في الجواب بسبب خلل ما بعد وقوع القبول ولذلك يضيف فقرة أخرى توضح الموقف فيقول آخر المادة (٣٤) المشار إليها:

(فإن صدر الجواب بالقبول في وقته ولم يبلغه إلا بعد انقضاء الأجل الكافي لإمكان وصول الجواب إليه بالوجه القياسي، فالصادر منه لا يلزمه شيء ويبقى الحق لمن لحقه ضرر في طلب تعويض الخسارة ممن تسبب فيها) .

وهكذا يطرح القانون الوضعي الحل المناسب لمشكلة الفورية في القبول ويمنح فرصة متراخية حسب العرف والعادة يفسر فيها هذه الفورية وإمكانية وجود فترة ما زمنية بين بعث الإيجاب والتحاق القبول به.

ولا يضر شيء وجود اختلاف بسيط بين مذاهب القانون الوضعي فكلها ترمي إلى إقرار مبدأ التراخي في مجلس العقد حتى يتمكن كل طرف من حرية الاختبار والمصادقة دون ضغط زمني قد يلحق به خسارة ما، لكن مع احترام قواعد الفورية في عمومها وشمول أحكامها كما سبق بسطه.

ورغم حداثة بعض وسائل الاتصال فلقد جاء الفقه الإسلامي بأحكام واضحة نستخلصها مما سجله الفقهاء في هذا الموضوع لنخرج بحكم واضح في شأن التعامل بهذه الوسائل وأحكام العقود بواسطتها خاصة إذا كان المتعاقدان غير مجتمعين في مجلس واحد بل غير مجتمعين في بلد واحد واستعانا في اتصالهما وعقد عقودهما بالمراسلة البطيئة أو العاجلة.

فإذا فزع بائع إلى نائب عنه أرسله إلى شخص بعيد عنه يحمل عنه رسالة شفوية في عرض إيجاب بيع عقار مثلًا بشروط معينة وثمن معين واتجه الرسول وسافر يحمل رسالته ويحافظ على أمانته واجتمع بالمشتري وأبلغه الرسالة التي يحملها فمجلسهما هذا مجلس تبليغ الرسالة وإيصال الخطاب وعرض الإيجاب هو مجلس العقد ومجلس المتبايعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>