فالموجب الذي بلغت رسالته يعتبر حاضرًا بشخصه يمثله من أرسله نائبًا عنه وحينئذٍ تنطبق الأحكام السابقة التي بسطناها بإيجاز في شأن مجلس العقد بين حاضرين حقيقة أو حكمًا.
فإذا انفض المجلس ولم يقبل المشتري فلا حق له في القبول من جديد. والفقهاء متفقون تقريبًا في صيغة العقد على أنه كل ما يدل على رضا الجانبين بالقول أو ما يقوم مقامه كرسول أو رسالة ويقولون: إنه إذا كتب رسالة لغائب يقول له: قد بعتك داري بكذا أو أرسل له رسولًا فقبل في المجلس صح العقد وانبرم ولكن مع التراخي والفصل البسيط الذي يعتبر حال التقاء المتعاقدين في مجلس واحد.
وحينئذٍ فسلوك وسيلة من وسائل الاتصال العصرية هو بمثابة الرسالة الخطية المكتوبة أو الرسالة الحية المرسلة بواسطة إنسان حي يتكلم ويبلغ ما كلف بإبلاغه.
ومن هنا نفهم أن أحكام الإيجاب والقبول بين حاضرين تطبق إذا كان العرض والقبول بواسطة رسالة متطورة سريعة لا فرق في ذلك تمامًا.
لكن إذا رجع الموجب عن إيجابه:
إذا كان المتعاقدان في مجلس واحد وعرض أحدهما عرضًا في صورة إيجاب فللطرف المقابل أن يقبل العرض أو يرفض والأمر ظاهر حينئذٍ لا غموض فيه.
لكن إذا كان التفاهم والتناقش والتساوم والعرض بواسطة الرسائل والبرقيات فقد يحدث أن يرجع العارض الموجب عن عرضه وإيجابه قبل صدور القبول من صاحبه وقبل انبرام العقد وتكونه. خاصة ونحن هنا ندرس حالة استعمال هذه الوسائل المتطورة للاتصال السريع.
فقد يبرق أحدهم إلى صاحبه بعرضه ثم يلجأ إلى سلوك وسيلة أسرع يعلن بواسطتها أنه عدل عن عرضه ورجع في إيجابه طالبًا اعتباره كأن لم يكن. ويصل العدول قبل الأصول أي قبل وصول الإيجاب أو معه وعلى كل حال قبل صدور القبول من المرسَل له.
ويجيب عن هذا الفقهاء بصورة مختلفة متعارضة.
فالمالكية لا يسمحون للموجب بالرجوع في إيجابه حتى يرفضه الآخر وإذا قبل هذا صح العقد وانبرم.
يقول الحطاب في مواهب الجليل [٤/٢٤١] :
(لو رجع أحد المتبايعين عما أوجبه لصاحبه قبل أن يجيبه الآخر لم يفده رجوعه إذا أجاب صاحبه بالقبول) .