للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمراد بخيار الرجوع من الإيجاب: هو أن يكون للموجب الحق في الرجوع عن إيجابه قبل أن يتصل به القبول، عند جمهور الفقهاء ما عدا المالكية الذين قالوا بمنع رجوعه ما دام مجلس العقد باقيًا إذا كان إيجابه بصيغة الماضي، أو كان الأمر يتعلق بالتبرعات كما أن الجمهور منعوه من الرجوع في بعض العقود التي يكون مبناها لا على المال مثل الطلاق على المال والعتق عليه (١) .

ثم إن هذا الخيار يمتد عند الحنفية، والحنابلة ما دام المجلس قائمًا إلا إذا أعرض عنه أحد العاقدين، أو خيَّره، أو تفرقا على تفصيل فيه، في حين أن الشافعية اشترطوا الفورية لكنهم قالوا: لا يضر الفصل اليسير، والمالكية، قالوا: لا يضر الفصل ما دام الحديث يدور حول العقد (٢) .

وأما خيار القبول فهو أن يكون للقابل الحق في الرفض والقبول ما داما في مجلس العقد، إلا إذا رجع الموجب عن إيجابه قبل قبوله، وهذا هو ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة، وخالفهم في ذلك الشافعية حيث اشترطوا الفورية (٣) ، وذكر القرافي أنه لا يجوز التأخير، والفصل الكثير حسب العرف (٤) .

وأما خيار المجلس فهو أن يكون لكل واحد منهما الحق في فسخ العقد بعد صدور الإيجاب والقبول منهما ماداما في مجلس العقد، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والإمامية، والزيدية (٥) مستدلين بالحديث الصحيح الذي رواه الشيخان وأصحاب السنن والمسانيد بسندهم أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، قال: ((البيعان كل واحد منهما بالخيار، على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار)) (٦) . في حين ذهب الحنفية، والمالكية إلى أن العقد يصبح لازمًا بمجرد الإيجاب والقبول – مع توفر الشروط المطلوبة- ولا يبقى لهما حق الفسخ بعد صدورهما إلا إذا اشترطا الخيار مستدلين بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: الآية١] .


(١) يراجع في تفصيل هذه المسألة: بدائع الصنائع: ٦/٢٩٩٠، وحاشية ابن عابدين: ٤/٥٢٧، والفتاوى الهندية: ٣/٧-٨، والفتاوى الخانية ٢/١٧٢، والبحر الرائق: ٥/٢٩٣، وفتح القدير: ٥/٧٨، والدسوقي على الشرح الكبير: ٣/٠٠٠٤، وبلغة السالك: ٢/٣٤٥، وشرح الخرشي: ٥/٥، والمجموع: ٩/١٦٩، والروضة ٣/٣٤٠، وشرح المحلي مع القليوبي وعميرة: ٢/١٥٤، والمغني: ٣/٥٦١، والإنصاف: ٤/٢٦٣، والنيل: ٢/١١، والمحلي لابن حزم: ٩/٢٩٥، ويراجع مبدأ الرضا في العقود، ود. عبد الستار أبو غدة: الخيار ١/١٨٣.
(٢) يراجع بلغة السالك: ٢/٢٤٥.
(٣) يقول القرافي في الفروق: ٣/١٧٣، (القسم الثاني الذي هو جزء السبب، فهذا لا يجوز تأخيره، كالقبول بعد الإيجاب في البيع والهبة والإجارة، فلا يجوز تأخير هذا القسم إلى ما يدل على الإعراض منهما عن العقد...) .
(٤) يقول القرافي في الفروق: ٣/١٧٣، (القسم الثاني الذي هو جزء السبب، فهذا لا يجوز تأخيره، كالقبول بعد الإيجاب في البيع والهبة والإجارة، فلا يجوز تأخير هذا القسم إلى ما يدل على الإعراض منهما عن العقد...) .
(٥) يراجع في تفصيل ذلك: الأم للشافعي: ٣/٣، والوجيز للغزالي: ١/١٤١، وفتح العزيز: ٨/٢١١، والمجموع: ٩/١٨٤، والغاية القصوى: ١/٤٧٥، والمغني لابن قدامة: ٣/٥٦٣، والإنصاف: ٩/٢٥٩، والروض المربع: ٤/٤١٣، والعدة شرح العمدة: ص٢٢٨، والمحلي لابن حزم: ٩/٢٩٥، والمختصر النافع للحلي: ص١٤٥، والروض النضير: ٣/٥١٣، والبحر الزاخر: ٤/٣٤٥.
(٦) صحيح البخاري، مع الفتح: كتاب البيوع: ٤/٣٢٨، ومسلم: ٣/١١٦٣، وسنن أبي داود، مع العون: ٩/٣٢٢، والترمذي مع التحفه: ٤/٤٤٨، والنسائي: ٧/٢١٧، وابن ماجه: ٢/٧٣٦، والموطأ: ص٤١٦، ومسند أحمد: ١/٥٦، ٢/٤، ٩، والرسالة للشافعي: ص٣١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>