للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن الخلاف في ثبوت الخيار في البيع ونحوه من العقود اللازمة للطرفين الواقعة على العين، أما العقود غير اللازمة، مثل: الوكالة، والمضاربة، والشركة ... ، والعقود الواردة على المنفعة مثل النكاح، والإجارة في وجه للشافعية فليس فيها خيار المجلس عند أولئك أيضًا (١) .

كيفية اعتبار المجلس وخياراته في التعاقد بالتليفون:

فإذا تعاقد شخص مع آخر بالتليفون، وصدر منه إيجاب فلا شك أن له الحق في رجوعه عن إيجابه عند الجمهور قبل صدور القبول منه، ما دام أسمع الآخر رجوعه (٢) ، وليس في هذا إشكال، وإنما الإشكال في التعاقد بالتليفون حول امتداد الإيجاب وبقائه ما دام المجلس قائمًا عند القائلين به – الحنفية والحنابلة – في العقد بين الحاضرين يقولون: إن طول الفصل لا يضر، حيث يكون من حق الطرف الثاني أن يقبل ما داما في مجلس العقد، ولم يصدر منهما أو من أحدهما ما يدل على الإعراض عن العقد فهل نقول: إن مجلس التعاقد بالتليفون يظل مستمرًا ما دام المتحدثان بالتليفون في مكانيهما، أم نقول: إن مجلس التعاقد هو فترة الاتصال، بانتهائه ينتهي المجلس؟!

فالذي يظهر رجحانه هو أن مجلس العقد ينتهي بانتهاء المحادثة، ومن هنا فليس لمن وجه إليه الإيجاب أن يقبل بعد انتهائها وسد التليفون، وإذا أراد ذلك وأعاد الاتصال بالموجب، وقد رضاه إليه، فإن هذا الرضا يعتبر إيجابًا يحتاج إلى قبول الآخر، وذلك لأن الذين قالوا بخيار القبول وسعوا من دائرة معنى التفرق في المجلس، حيث اعتبروا مجرد القيام من المجلس، أو الانشغال بالأكل ونحوه، بل كل ما يدل على الإعراض عن الإيجاب تفرقا بقطع الخيار، أو نام أحدهما إن كان مضطجعًا فهي فرقة: ( ... رجل قال لغيره أعطيتك هذا بكذا، فلم يقل المشتري شيئًا حتى كلم البائع إنسانًا في حاجة له بطل البيع، كذا في فتاوى قاضي خان) (٣) .

بل إن فقهاء الحنفية، وغيرهم ممن يقولون بخيار الرجوع، لاحظوا انتهاء المجلس في بعض المسائل التي ربما تكون قريبة من مسألتنا، وهي التعاقد أثناء السير والمشي حيث المجلس يختلف، وينتهي، وقالوا بوجوب الاتصال وعدم الفصل حتى يتم العقد، جاء في الفتاوى الهندية: (وإن تعاقدا عقد البيع، وهما يمشيان، أو يسيران على دابة واحدة، أو دابتين، فإن أخرج المخاطب جوابه متصلًا بخطاب صاحبه تم العقد بينهما، وإن فصل عنه وإن قل فإنه لا يصح وإن كانا في محل واحد كذا في العيني شرح الهداية. وفي الخلاصة عن النوازل إذا أجاب بعد ما مشي خطوة أو خطوتين جاز، كذا في فتح القدير.. وقال الصدر الشهيد في الفتاوى: في ظاهر الرواية لا يصح كذا في الخلاصة، وإن أوجب أحدهما وهما واقفان فسارا، أو سار أحدهما بعد خطاب صاحبه قبل القبول بطل الإيجاب ... ) (٤)


(١) يراجع: المصادر الفقهية السابقة.
(٢) الفتاوى الهندية: ٣/٨.
(٣) الفتاوى الهندية: ٣/٧، ٨، وفتح القدير: ٥/٧٨، وحاشية ابن عابدين: ٤/٢١، وبدائع الصنائع: ٦/٢٩٩٢.
(٤) الفتاوى الهندية: ٣/٧، ٨ وفتح القدير: ٥/٧٨، وحاشية ابن عابدين: ٤/٢١، وبدائع الصنائع: ٦/٢٩٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>