للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- اتجاه التضييق، وهو اتجاه الذين يقولون بعدم صلاحية الكتابة لإنشاء العقود بها إلا بالنسبة للعاجزين عن الكلام، وهذا مذهب الأباضية، والراجح في مذهب الإمامية، ووجه الشافعية، ورأي داخل المذهب الزيدي (١) .

٣- اتجاه التوسط، وهذا مذهب الحنفية الذين جعلوا الكتاب كالخطاب بالنسبة للغائب، دون الحاضر، غير أنهم ذهبوا إلى أن النكاح إنما يتم بالكتابة إذا أحضر الجانب الثاني للشهود، وقرأ عليهم الكتاب، ثم يقول: قبلت أو زوجت، أو تزوجت (٢) .

الأدلة والمناقشة والترجيح:

وقد استدل كل فريق على دعواه، حيث استدل المضيقون من دائرة الكتاب بأن الكتابة ليست وسيلة من وسائل التعبير المعتبرة، حيث إنها تحتمل التزوير وإرادة تحسين الخط فقط، ومع هذا الاحتمال لا يثبت بها العقود التي تترتب عليها آثار كثيرة من حل وحرمة، ومن انتقال الملكية، ونحوه، بالإضافة إلى أن وسائل التعبير عن العقود جاءت جميعها بالألفاظ، ولم يشتهر في عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) إنشاء العقود بالكتابة. غير أنه يستثنى من ذلك العاجز عن النطق الذي لا يجد حيلة إلى النطق، ولا يهتدي إلا إلى الإشارة أو الكتابة.

ويمكن أن تناقش هذه الأدلة بأن مبناها على أن الكتابة وسيلة ضرورية ولذلك لا تصلح إلا للعاجز عندهم، وهذا غير مسلم، لأن التعبير عما في النفس كما يمكن أن يكون باللفظ يمكن أن يكون بالكتابة، كما أننا لا نسلم أن الكتابة لم تستعمل كتعبير عن العقود في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، فالأحاديث الصحيحة شاهدة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد استعملها في رسائله مع الملوك وغيرهم للتعبير عما يريده منهم من الدخول في الإسلام (٣) ، ولو سُلِّم ذلك، فلا يدل عدم استعمالها في عصره على عدم جواز استعمالها، وذلك لأن مبنى هذه الدلالات على العرف، وأن الجمهور على عدم التقيُّد بالصيغ الواردة في الشرع ما دامت لا تصطدم مع نص شرعي، ولا دليل على منع الكتابة.

ومن جانب آخر إن ما أوردوه من احتمال التزوير والتقليد يتلاشى مع وجود القرائن الدالة عليه، بالإضافة إلى أن ذلك داخل في عملية الإثبات، وكلامنا هنا في مدى دلالة الكتابة على الرضا (٤) .


(١) شرائع الإسلام للحلي: ٢/٨، والمجموع: ٩/١٦٧، والروضة: ٨/٣٩، والبحر الزخار: ٤/٢٦.
(٢) الهداية مع فتح القدير، وشرح العناية: ٥/٧٩، والفتاوى الهندية: ٣/٩.
(٣) انظر: صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب الجهاد -: ٦/١٠٩، ويراجع المغني لابن قدامة: ٧/٣٤١.
(٤) المصادر السابقة، ويراجع لتفصيل ذلك: مبدأ الرضا في العقود: دراسة مقارنة: ٢/٩٧٤ ...

<<  <  ج: ص:  >  >>