لا شك أن هناك صعوبات فنية في التعاقد بهذه الوسائل تكمن في كيفية تصور مجلس العقد، ووقت تمامه، وما يترتب على المجلس من خيارات الأمر الذي يقتضي معالجتها بدقة وأناة.
ولا يخفى أن مجلس العقد بالنسبة للحاضرين واضح يسهل تصوره، لكن الصعوبة قد تأتي لتصوره فيما لو كانا غائبين مثل التعاقد بالبرق أو التلكس، أو الفاكس، أو بعبارة أخرى: التعاقد عن طريق المكتوب، والسبب في هذه الصعوبة وجود المسافة الزمنية والمكانية بين الإيجاب والقبول، وكيفية وصول القبول إلى علم من وُجِّه إليه الجواب، وأيضًا فإن التساؤل يثور حول الوقت الذي يتم فيه العقد، هل يتم بمجرد قبول من أرسل إليه البرقية، أو التلكس، أو الفاكس، (وهذا ما يسمى في الفقه المدني الوضعي بنظرية إعلان القبول) . أو أنه يتم بقبوله، وإرساله إلى الموجب (وهذا ما يسمى في الفقه المدني الوضعي بنظرية تصدير القبول) ، أو أنه يتم بإيصال الجواب إلى الموجب – أي يصله القبول – من خلال الرسالة – أو البرق، أو التلكس أو الفاكس، بحيث إذا وصل إليه فقد تم العقد حتى ولو لم يعلم بمحتواه (وهذا يسمى في الفقه الوضعي بنظرية تسليم القبول) أو أنه لا يتم العقد إلا إذا وصل القبول إلى الموجب وعلم به فعلًا (وهذا يسمى في الفقه المدني الوضعي بنظرية العلم بالقبول)(١) .
ولا شك أن لكل نظرية من هذه النظريات أنصارها وروادها، كما أن لكل واحدة منها سلبياتها وإيجابياتها، ولكن الغالب في الفقه الوضعي الحديث يتجه إلى تفضيل نظرية الإعلان عن القبول على غيرها لما لها من مزايا عدة من أهمها:
أولًا: إن التماثل في جميع الجهات بين عقود الحاضرين، وعقود الغائبين أمر غير عملي، وذلك لاختلاف طبيعة التعاقد في كل منها، ومن ثم فلا ينبغي اشتراط وصول القبول إلى علم الموجب، بل يكفي مجرد تعبيره عن إرادته في القبول إذ إن العقد ليس إلا الإيجاب والقبول، وقد حصلا من خلال قبوله في مجلس الوصول.
ثانيًا: إن هناك صعوبة في تحديد وقت انعقاد القبول، إذا قلنا بغير نظرية الإعلان، فليس من الميسور معرفة لحظة إرسال الخطاب، أو تسليم القبول، أو العلم به، بالإضافة إلى احتمال الإنكار، وتأخير الاطلاع عليه عمدًا، وغير ذلك مما يؤدي إلى عدم استقرار العقود، وإلى الفوضى التي ينبغي أن تكون المعاملات والعقود بمنأى عنها.
(١) د. السنهوري: الوسيط: ١/٣٠٩، وجوسران: شرح القانون المدني بند ٥٢، ومصادر كثيرة مشار إليها في رسالتنا: مبدأ الرضا في العقود: ٢/١١١٢.