للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: إن الأخذ بنظرية الإعلان من شأنها كسب الوقت حيث ينشأ العقد بمجرد إعلان القبول، ولا سيما في العصر الذي يحتاج فيه إلى مزيد من السرعة في التبادل حتى لا تتعطل المصالح في حين على ضوء بقية النظريات ينبغي انتظار فترة كبيرة، ولا سيما على ضوء نظرية العلم بالقبول، حيث يمكن أن يصله الجواب لكنه لا يطلع عليه، لأي سبب من الأسباب، ومع ذلك يؤدي إلى عدم معرفة نتيجة الصفقة. ومع ذلك فإن القانون المدني المصري، والعراقي أخذا بنظرية العلم بالقبول، وصرح الفقه الإنجليزي بأن القاعدة العامة المستقرة في القضاء الإنجليزي تقتضي وجوب إحاطة العارض بقبول العرض، ما لم يكن هناك اتفاق على التنازل عن الإحاطة (١) .

تلك هي خلاصة موجزة جدًّا في الفقه الوضعي، فلنعد إلى فقهنا الإسلامي العظيم لنرى كيف عالج هذه الصعوبات الفنية التي تتعلق بمجلس العقد ووقت تمام العقد ثم بالخيارات، التي تترتب على المجلس.

أولًا- مجلس العقد في التعاقد بالبرق، والتلكس، والفاكس:

عالج الفقه الإسلامي هذه المسألة عند بحثه عن مجلس العقد بين الغائبين سواء كان عن طريق الكتابة، أو الرسول، ونحن نذكر هنا بعض النصوص للفقهاء، ثم نعقبها بالتعليق.

فقد صرح الحنفية بأن الأصل هو اتحاد المجلس بأن يقع الإيجاب والقبول في مجلس واحد، ولكن مجلس التعاقد بين الغائبين هو مجلس وصول الخطاب أو الرسول، قال الكاساني: (وأما الكتابة، فهي أن يكتب الرجل إلى رجل: أما بعد فقد بعت عبدي فلانًا منك بكذا فبلغه الكتاب، فقال في مجلسه: اشتريت، لأن خطاب الغائب كتابه، فكأنه حضر بنفسه، وخاطب بالإيجاب وقَبِل الآخر في المجلس ... ) (٢) . وجاء في الهداية، والفتاوى الهندية وغيرهما: (والكتاب كالخطاب حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب، وأداء الرسالة) (٣) ، ويقول النووي: (وإن قلنا: يصح – أي البيع بالمكاتبة – فشرطه أن يقبل المكتوب إليه بمجرد اطلاعه على الكتاب ... وإذا صححنا البيع بالمكاتبة جاز القبول بالكتب، وباللفظ، ذكره إمام الحرمين وغيره ... قال الغزالي في الفتاوى: إذا صححنا البيع بالمكاتبة، فكتب إليه فقبل المكتوب إليه ثبت له خيار المجلس ما دام في مجلس العقد) (٤) .

ويظهر من هذه النصوص، وغيرها أن مجلس العقد بالنسبة للتعاقد بالبرقية، أو التلكس، أو الفاكس، هو مجلس وصول البرقية، أو التلكس أو الفاكس، فإذا وصل وقرأه وقال: قبلت، أو كتب الموافقة فقد انعقد العقد.

ومن الجدير بالتنبيه عليه أن اتحاد المجلس لا يشمل بعض العقود مثل الوصية والإيصاء، والوكالة، حيث إن القبول في الوصية يكون في مجلس آخر بعد وفاة الموصي (٥) .


(١) مورانديه: شرح القانون المدني الفرنسي بند (٣٢) ويراجع رسالتنا: مبدأ الرضا في العقود، دراسة مقارنة: ٢/١١١٤ ... ومصادره التي اعتمد عليها في القانون الفرنسي، والإنجليزي، والمصري والعراقي، بالإضافة إلى المذاهب الفقهية الثمانية، ويراجع: د. وحيد الدين السوار: التعبير عن الإرادة، ط. مكتبة النهضة ١٩٦٠م، ص١٢٩.
(٢) بدائع الصنائع: ٦/٢٩٩٤.
(٣) فتح القدير على الهداية: ٥/٧٨، ٨٢، والفتاوى الهندية: ٣/٩.
(٤) المجموع: ٩/١٦٧-١٦٨.
(٥) مختصر أحكام المعاملات للشيخ الخفيف: ص٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>