للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا- وقت تمام العقد:

ذكرنا فيما سبق أن الفقه المدني الوضعي قد اختلف في هذه المسألة اختلافًا كبيرًا حتى توزعت مدارسه بين أربع نظريات، وهي نظرية إعلان القبول، ونظرية تصدير القبول ونظرية تسليم القبول، ونظرية العلم بالقبول.

ونحن نعرض هنا بعض نصوص الفقهاء ليتبين لنا بوضوح وجهة نظرهم بهذا الخصوص ولا سيما أن بعض الباحثين أنكروا وجود وجهة نظر واضحة للفقه الإسلامي في هذا الصدد (١) .

يقول المرغيناني الحنفي: (والكتاب كالخطاب، وكذا الإرسال حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتاب، وأداء الرسالة) (٢) ، ويقول الكاساني: (وأما الكتابة فهي أن يكتب الرجل إلى رجل: أما بعد فقد بعت كذا منك، فبلغه الكتاب، فقال في مجلسه: اشتريت – أي انعقد العقد – لأن خطاب الغائب كتابه فكأنه حضر بنفسه وخاطب بالإيجاب وقبل الآخر في المجلس ... ) (٣) ، وقال تاج الشريعة: (وصورة الكتابة أن يكتب إلى رجل ... فلما بلغه الكتاب وقرأه وفهم ما فيه قَبِل في المجلس صح البيع كذا في العيني ... ) (٤) ، وقال ابن عابدين: (فإن قَبِل – أي الغائب – صح العقد) (٥) .

وهذه النصوص لفقهاء الأحناف تدل بكل وضوح على أن العقد بالكتابة – ومنها البرق والتلكس والفاكس، يتم بمجرد القبول الصادر من الشخص الموجه إليه، واعتبروا مجلس وصول المكتوب مجلس العقد، بل اعتبروا المكتوب نفسه بمثابة حضور الموجب الكاتب نفسه، فعلى ضوء ذلك فإن الحنفية يقولون بنظرية إعلان القبول.

وجهة نظر والرد عليها:

وقد استنبط بعض الباحثين (٦) من بعض النصوص الحنفية الدالة على اشتراط سماع كل من المتعاقدين كلام صاحبه في صحة العقد (٧) ... إن الحنفية يقولون بنظرية العلم بالقبول، حيث قال: (إن منطق القاعدة التي تقول بوجوب سماع الموجب القبول في التعاقد بين الحاضرين تقتضي القول بوجوب علم الموجب بالقبول في التعاقد بين غائبين، والسماع في حالة حضور الموجب يقابله العلم حالة غيابه) (٨) .


(١) يقول الأستاذ السنهوري (رحمه الله) في مصادر الحق: ٢/٥٤: (فلم نعثر على نص صريح في هذه المسألة يبين متى يتم العقد بين الغائبين، هل يتم بمجرد إعلان القبول، أو لا يتم إلا بعلم الموجب بالقبول ... ) . ولكنا وجدنا نصوصًا – كما ترى – توضح وجهة نظر فقهائنا في هذه المسألة، وسبقهم إلى أدق نظريات نافعة: نعم إنهم لم يصرحوا بأن هذا القول يمثل النظرية الفلانية، لكن أقوالهم تدل عليهم بوضوح.
(٢) الهداية مع فتح القدير والعناية: ٥/٧٩.
(٣) بدائع الصنائع: ٦/٢٩٩٤.
(٤) الفتاوى الهندية: ٣/٩.
(٥) حاشية ابن عابدين: ٤/١٥.
(٦) الأستاذ السنهوري: مصادر الحق: ٢/٥٦.
(٧) الفتاوى الهندية: ٣/٣، والفتاوى البزازية بهامش الفتاوى الهندية: ٤/٣٦٤، وفتح القدير: ٥/٧٤.
(٨) الأستاذ السنهوري: مصادر الحق: ٢/٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>