للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويمكن أن نرد على هذا بسهولة، وذلك لأن لازم المذهب ليس بمذهب، هذا أولًا، وثانيًا: إن الحنفية صرحوا – كما رأيت – بأن العقد يتم في الكتاب في مجلس وصوله إلى القابل من خلال قبوله في المجلس، وثالثًا: إن قياس العقد بين الغائبين على العقد بين الحاضرين قياس مع الفارق، لعدة وجوه من أهمها أن الإيجاب في العقد بين الحاضرين مرتبط بمجلس صدوره فيه بحيث إذا انفض المجلس انعدم الإيجاب ولم يبق له وجود في حين أن الإيجاب في العقد بين الغائبين يظل مستمرًّا إلى حين وصوله إلى الشخص الثاني، ويبقى طول بقائه في مجلس الوصول إلا إذا صدر ما يدل بوضوح على إعراضه عنه – كما سبق – وقد صرح الحنفية بهذا الفرق. قال الكاساني: (إن اتحاد المجلس شرط للانعقاد، ولا يتوقف أحد الشطرين من أحد العاقدين على وجود الشرط الآخر إذا كان غائبًا، أي عن طريق الكتابة أو الرسالة) ، وقال أيضًا: (والأصل في هذا أن أحد الشطرين من أحد العاقدين في باب البيع يتوقف على الآخر في المجلس، ولا يتوقف على الشطر الآخر من العاقد الآخر فيما وراء المجلس بالإجماع إلا إذا كان عنه قابلا، أو كان بالرسالة، أو بالكتابة) (١) ، ورابعًا: إن نصوص الحنفية في وجوب سماع كل من العاقدين كلام الآخر خاصة في التعاقد بالكلام، دون التعاقد بالوسائل الأخرى، مثل التعاطي والإشارة والكتابة حيث إن كل واحدة من هذه الوسائل المعبرة عن الإرادة ليس فيها سماع مع أن العقود تتم بها، على تفصيل فيها (٢) .

وفي اعتقادنا أن بقية المذاهب أيضًا، تعتبر وقت تمام العقد حين يصل المكتوب سواء كان عن طريق شخص، أو عن طريق البرق، أو التلكس، أو الفاكس – إلى الشخص الذي وجه إليه فيقبله في المجلس، فحينئذٍ انعقد العقد، لكن المذاهب التي تقول بخيار المجلس – كالشافعية والحنابلة- تعطي حق خيار المجلس للكاتب والمكتوب إليه ما دام المكتوب إليه في مجلسه، وأما المذاهب التي لا تعترف بخيار المجلس فإن العقد يصبح تامًّا بمجرد القبول كما سبق.

وإليك بعض نصوص الفقهاء في هذا المضمار، يقول النووي: (قال الغزالي: إذا صححنا البيع بالمكاتبة فكتب إليه، فقبل المكتوب إليه ثبت له خيار المجلس مادام في مجلس القبول، قال: ويتمادى خيرا الكاتب إلى أن ينقطع خيار المكتوب إليه، حتى لو علم أنه رجع عن الإيجاب قبل مفارقة المكتوب إليه مجلسه صح رجوعه ولم ينعقد البيع. والله أعلم) (٣) .


(١) بدائع الصنائع: ٦/٢٩٩٣ – ٢٩٩٤، ومثله في ابن عابدين: ٤/١١.
(٢) يراجع في تفصيل ذلك: رسالتنا: مبدأ الرضا في العقود: ٢/٨٣٣-١٠٠٠، وراجع لمناقشة هذه الآراء حول اشتراط السماع، ص١٠٩٨ منها.
(٣) المجموع: ٩/١٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>