للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا النص يدل أيضًا على أنه لا يشترط في تمام العقد وصول القبول إلى الموجب الكاتب بل يكفي صدور القبول من المكتوب إليه، في مجلس الوصول، فعلى ضوء ذلك يتم العقد بين الغائبين- عن طريق المكتوب- بمجرد إعلان القبول قبل رجوع الموجب عن إيجابه، بل صرح الرافعي بأن مجلس التعاقد بين الغائبين هو مجلس اطلاع المكتوب إليه، والمرسل إليه على الإيجاب، حيث يقول: (فالشرط أن يقبل المكتوب إليه كما اطلع على الكتاب على الأصح ليقترن القبول بالإيجاب بحسب الإمكان) (١) .

وأما المالكية فمذهبهم أن الإيجاب ملزم للموجب – بشروطه – فعليه لا يتمشى مع قواعد مذهبهم أن يشترطوا علم الموجب بقبول القابل حتى يتم العقد، بل إن نصوصهم ظاهرة كل الظهور بأن البيع ونحوه ينعقد بمجرد القبول بعد صدور الإيجاب (٢) وعلى هذا نصوص الحنابلة (٣) .

فعلى ضوء ذلك نستطيع أن نقول إن جانبًا كبيرًا من الفقه الإسلامي، ومنه الفقه الحنفي والمالكي، تبنى نظرية إعلان القبول قبل ظهور هذه النظرية في الغرب بعدة قرون، والبعض الآخر – كالشافعي والحنبلي – تبنى أيضًا نظرية الإعلان ولكن مع حق خيار المجلس.

فعلى ضوء الرأي الأول يتم بالقبول في مجلس الوصول ما دام الموجب لم يرجع عن إيجابه قبل ذلك، ولذلك لا يتوقف تمامه عند الجميع إلى أن يصل القبول إلى الموجب، أو بعبارة أخرى لا يتوقف تمامه على علم الموجب بالقبول، نعم إن العلم بالشيء أو عدم العلم به قد يؤثر في بعض التصرفات، مثل عزل الوكيل حيث إنما يؤثر في تصرفاته إذا علم الوكيل بعزله صيانة الحقوق الآخري، وحماية له من الوقوع فيما يترتب على العقود من حقوق وآثار والتزامات (٤) . ومن هنا فالتعاقد بالبرق أو التلكس، أو الفاكس، يتم إذا وصل المكتوب إلى الموجه إليه وقبله في المجلس، لكنه في النكاح يحتاج إلى شهود أيضًا.


(١) فتح العزيز بهامش المجموع: ٨/١٠٣، والروضة: ٣/٣٣٩.
(٢) حاشية البنا على الزرقاني: ٥/٥-٦، والفواكه الدواني: ٢/١٧٥، والدسوقي: ٣/٣، والخرشي: ٥/٥، وبلغة السالك: ٢/٢٤٣.
(٣) يراجع: الإنصاف للمرداوي: ٤/٢٦٠، والروض المربع: ٤/٣٢٨، والمغني: ٣/٥٦١.
(٤) بدائع الصنائع: ٦/٢٩٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>