للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما المالكية فقد ذهبوا إلى أن الإيجاب ملزم – بشروطه كما سبق – وحينئذٍ إذا كتب البرقية أو الفاكس، أو التلكس فقد أصبح ملزمًا به فلا يجوز له الرجوع ما دام الموجه إليه قَبِلَه في مجلس الوصول.

وقد رجحنا قول الجمهور القائلين بعدم فورية القبول، فعلى ضوء ذلك يحق للموجه إليه البرقية أو التلكس، أو الفاكس أن يقبل العرض الموجه إليه ما دام في مجلس وصول الإيجاب ما دام لم يعرض عنه، أما إذا أعرض عنه، أو قام من مجلسه دون قبوله، فقد سقط حقه، وبذلك يجمع بين مصلحة التروّي والتفكير، ووضع ضوابط من خلال التقيد بالمجلس.

ثم إذا قبل الموجه إليه في المجلس فقد تم العقد ولزم عند الحنفية والمالكية ولم يبق فيه حق خيار المجلس، ولكنه لا يصبح لازمًا عند الشافعية والحنابلة ومن معهم إلا بعد أن يفارق الموجه إليه مجلس الوصول أو يعرض عنه تمامًا (١) .

خصوصية للنكاح، فهل تعمم؟

ذكر الفقهاء الذين أجازوا عقد النكاح عن طريق الكتابة أنه يجوز للمرسل إليه إذا وصله الكتاب أن يخرج من مجلسه ليذهب إلى مجلس آخر يجد فيه الشهود على قبوله، وهذه المفارقة لا يعتد بها نظرًا إلى أن عقد النكاح يشترط فيه الإشهاد عند الجماهير، أو الإعلان عند بعض، فقد قال ابن عابدين: (وذكر شيخ الإسلام خواهر زاده في مبسوطه: الكتاب والخطاب سواء إلا في فصل واحد، وهو أنه لو كان حاضرًا مخاطبها بالنكاح فلم تجب في مجلس الخطاب، ثم أجابت في مجلس آخر فإن النكاح لا يصح، وفي الكتاب إذا بلغها، وقرأت الكتاب ولم تزوج نفسها منه في المجلس الذي قرأت الكتاب فيه، ثم زوجت نفسها في مجلس آخر بين يدي الشهود، وقد سمعوا كلامها وما في الكتاب يصح النكاح، لأن الغائب إنما صار خاطبًا لها بالكتاب والكتاب باقٍ لها في المجلس الثاني، فصار بقاء الكتاب في مجلسه، وقد سمع الشهود ما فيه في المجلس الثاني، بمنزلة ما لو تكرر الخطاب من الحاضر في مجلس آخر، فأما إذا كان حاضرًا فإنما صار خاطبًا لها بالكلام، وما وجد من الكلام لا يبقى إلى المجلس الثاني، وإنما سمع الشهود في المجلس الثاني أحد شطري العقد) ، وعلق عليه ابن عابدين فقال: (وحاصله أن قوله: تزوجتُكِ بكذا إذا لم يوجد قبول يكون مجرد خطبة منه لها، فإذا قبلت في مجلس آخر لا يصح، بخلاف ما لو كتب ذلك إليها، لأنها لما قرأت الكتاب ثانيًا، وفيه قوله: تزوجتُكِ بكذا، وقبلت عند الشهود صح العقد، كما لو خاطبها به ثانيًا وظاهره أن البيع كذلك، وهو خلاف ظاهر الهداية فتأمل) (٢) .

فقد فهم العلامة ابن عابدين من تعليل شيخ الإسلام خواهر زاده أن ظاهره يدل على أن البيع مثل النكاح، في أن المكتوب إليه يكون له الحق في أن لا يقبل في مجلس الوصول وإنما في مجلس آخر ... غير أن ابن عابدين أوضح بأن هذا مخالف لظاهر الهداية.


(١) المصادر الفقهية السابقة، ويراجع للتفصيل: رسالتنا مبدأ الرضا في العقود: ٢/١٠٩٣.
(٢) حاشية ابن عابدين: ٤/١٠-١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>