للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعميم:

وإذا كان ابن عابدين فهم من تعليل خواهر زاده التعميم لكنه لم يرتضه وبين أنه مخالف لظاهر الهداية، فإن الأستاذ الجليل الشيخ علي الخفيف (رحمه الله) ذهب إلى تعميم هذا الحكم لجميع العقود حيث قال: (وفي رأيي أن عقد البيع وغيره من عقود المال أولى بهذا الحكم من عقد النكاح، إذ يُتساهل في عقد البيع ونحوه بما لا يُتساهل به في عقد النكاح، وعلى ذلك يجوز لمن أرسل إليه الإيجاب بالكتاب إذا قرأه فلم يقبله في أول مجلس أن يقرأه في مجلس آخر، ثم يقبل، ويكون مجلس العقد مجلس كل قراءة) (١) .

بل ذهب إلى أكثر من ذلك حيث ذهب إلى أن المرسل إليه إذا وصل إليه الكتاب فقرأه، أو قرأ غيره عليه، لكنه أعرض عنه، أو فارق هذا المجلس، ثم عاد إلى الكتاب مرة أخرى فقرأه أو قرأ عليه آخر في مجلس آخر فقبله، فقد تم العقد، ثم استشهد برأي بعض العلماء فقال: (ومن العلماء من اعتبر أن الإيجاب قائم بقيام الكتاب، فإذا قبل المرسل إليه في أي وقت نشأ العقد لقيام الإيجاب) (٢) .

ويمكن أن يرد على هذا التوجه نحو التعميم بما يأتي:

أولًا: أن لازم المذهب ليس بمذهب، ولا سيما أن كبار علماء الحنفية صرحوا بخلاف ذلك، وقالوا: إنه ليس للموجه إليه – الخطاب، أو البرقية، أو التلكس، أو الفاكس- الحق في القبول إلا في مجلس الوصول أو الاطلاع عليه، وبعد ذلك إذا قام من مجلسه فقد سقط حقه، إلا في النكاح لأجل الشهود فقد قال المرغيناني وغيره: (الكتاب كالخطاب حتى اعتبر مجلس بلوغ الكتابة) . وقالوا: (وإذا حصل الإيجاب والقبول لزم القبول) (٣) .

ثانيًا: إن قياس البيع على النكاح قياس مع الفارق، فالنكاح يحتاج في انعقاده وصحته إلى الشهود عند الحنفية – والجمهور – ولذلك إذا قام الموجه إليه من مجلسه إلى مجلس آخر ليقرأ المكتوب بحضور الشهود لم يُلْغِ حقه، وذلك لأن قبوله بدون الشهود لا يعتد به، فكأن الخطاب لم يصل إليه، فيعتبر حينئذٍ المجلس الثاني الذي حضره الشهود هو مجلس الوصول المعتد به شرعًا، ومن المقرر فقهًا أن المعدوم شرعًا كالمعدوم حقيقة.

وأما البيع فهو لا يحتاج إلى الشهود لا في انعقاده، ولا في صحته. فحينئذٍ يعتبر مجلس الوصول والاطلاع عليه هو مجلس العقد الحقيقي، فإذا قام وأعرض عن العقد، فقد انتهى الإيجاب فكيف يقبل بعد؟؟.


(١) أحكام المعاملات الشرعية، ص٢٠٩-٢١٠، مع الهامش.
(٢) مختصر أحكام المعاملات: ص٧٨-٧٩.
(٣) الهداية مع فتح القدير، وشرح العناية: ٥/٧٤، وابن عابدين: ٤/١١، والفتاوى الهندية ٤/٨، والفتاوى البزازية: ٤/٣٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>