للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول الأستاذ الجليل الشيخ أبو زهرة – رحمه الله -: (إن البيع لا يقاس على النكاح، لأن النكاح يحتاج إلى شهود، ولا يلزم أن يكونوا حاضرين وقت وصول الكتاب، فيصح أن ينتظر إلى مجلس الشهود، بخلاف البيع، فإنه لا يحتاج إلى شهود) (١) .

ثالثًا: إن ذلك يؤدي على أن يعطى للرسول، والمكتوب من قوة الأثر، ما ليس لمرسلهما نفسه، يقول الأستاذ الدكتور محمد يوسف موسى: (ونحن نرى أن هذا لا يتفق مع المنطق، وفيه إعطاء للرسول والكتاب من قوة الأثر، ما ليس لمرسلهما نفسه، ثم الكتاب ليس له من الأثر إلا أنه أبلغ الطرف الآخر إيجاب صاحبه، فتعتبر قراءته إيجابًا من مرسله، فلا بد إذن من قبول الطرف الآخر، أو رفضه في المجلس ... ) (٢) .

رابعًا: إن ذلك يؤدي إلى إطالة مجلس العقد إطالة تضر بالعقد، فإذا أعطينا الحق للموجه إليه أن يقبل في أي مجلس يريده، دون التقيد بمجلس وصول الخطاب، فهذا بلا شك إضرار بمصالح الموجب، والفقهاء نظروا إلى هذه المسألة نظرة موضوعية، ولا حظوا أن الأصل في العقود الفورية بأن لا يتأخر القبول عن الإيجاب، لكن في اعتبار الفورية ضررًا على القابل إذ أنه بحاجة التروي والتفكير، كما أن في التأخير الكثير ضررًا على الموجب، وذلك ضبط الأمر بالمجلس إذ أنه جامع المتفرقات، وفي ذلك تيسير على الطرفين، يقول الكاساني: (القياس أن لا يتأخر أحد الشطرين على الآخر في المجلس إلا أن اعتبار ذلك يؤدي إلى انسداد باب البيع فتوقف أحد الشطرين على الآخر حكمًا، وجعل المجلس جامعًا للشطرين مع تفرقهما للضرورة) (٣) .

بالإضافة إلى أن نصوص الفقهاء من غير الأحناف أيضًا واضحة في اعتبار المجلس سواء كان بين الحاضرين، وهو مجلس الإيجاب والقبول، أو بين الغائبين وهو مجلس وصول الرسول، أو المكتوب إليه كما سبق.


(١) الأحوال الشخصية، ط. دار الفكر، فقرة (٢٩) .
(٢) الأموال ونظرية العقد، فقرة (٣٨٧) .
(٣) بدائع الصنائع: ٦/٢٩٩، وفتح القدير: ٥/٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>