فعلى ضوء ذلك فلا نرى قياس البيع ونحوه على النكاح، ولا ترجيح التعميم الذي ذهب إليه أستاذنا الجليل، ولا نرى اعتبارًا ولا وجاهة للخروج من القاعدة العامة التي استقر عليها الفقه الإسلامي، من اعتبار المجلس وانحصاره فيما بين الحاضرين بمجلس الإيجاب والقبول، وفيما بين الغائبين بوصول الخطاب والرسول والاطلاع على الإيجاب، وإذا كان الاستثناء الوحيد بخصوص النكاح له مبرره من حيث ضرورة وجود الشهود فلا نرى مبررًا في العقود التي لا يشترط فيها الإشهاد حماية للعقود من الاضطراب والإضرار، وقد يقول قائل: إن القول بهذا التعميم له مبرره أيضًا حيث يستجيب للضرورات العملية التي تقتضي هذا الخروج في حال التعاقد بين الغائبين حيث إن الشأن في التعاقد بين الغائبين عادة أن يكون غير مسبوق بمجلس للمقدمات والمساومات التي يتمكن من خلالها الموجه إليه أن يقلب الإيجاب على وجوهه المختلفة قبل صيرورته باتًّا في حقه، ذلك، ومن هنا فيكون من الوجاهة حماية القابل بالتوسعة عليه في مجلسه (١) .
للجواب عن ذلك يقال: ليس هناك في الواقع ضرورة إذ أن المجلس يسعه مهما طال حيث بإمكانه أن يجلس ساعات في مكانه ينظر إلى العقد ويقلب فيه، ويسأل حول إيجابياته وسلبياته، فما دام هو مشغولًا به لم ينقطع المجلس. بالإضافة إلى أن له حق خيار المجلس حتى بعد القبول ما دام في المجلس كما سبق. ومن هنا فخيارات المجلس توسع عليه الباب، ولم تترك له العسر والضيق.
هذا ومن جانب آخر فإن بإمكانه أن يشترط خيار الشرط لمدة معينة سواء كانت بلفظ صريح، أو غير صريح، فمثلًا لو وصل إليه خطاب، أو برقية أو تلكس أو فاكس فوجد أن شروط العقد وتفاصيله طويلة جدًّا تحتاج إلى دراسة فله الحق في قبوله واشتراط خيار الشرط نفسه لمدة معينة، كما أن قوله: غدًا أكمل الدراسة أو نحو ذلك في حكم خيار الشرط، إذ العبرة في مثل هذه الأمور بالمقاصد والمعاني وليست بالألفاظ والمباني والله أعلم بالصواب.