انتهينا في هذا البحث إلى أن هذه الآلات الحديثة لإجراء العقود تعود في الواقع إلى قسمين: قسم لنقل الصوت واللفظ، وقسم لنقل المكتوب، وذكرنا ضمن القسم الأول: التليفون، والراديو، والتلفزيون، واللاسلكي. كما ذكرنا ضمن القسم الثاني: البرقية، والتلكس، والفاكس.
وقد وصلنا من خلاله إلى أن التليفون ينقل كلام المتعاقدين بدقة، ولا يختلف العقد به إلا من حيث البعد المكاني، وعدم رؤية أحدهما الآخر.
أما عدم الرؤية بين العاقدين فلا يترتب عليه حكم في باب العقود، سوى احتمال التزوير، وتقليد الصوت، ولذلك يقبل كلام من ادَّعى ذلك، ولكنه يقع عليه عبء الإثبات، وذلك لأن القاعدة الأساسية في العقود، هي: صدور ما يدل على التراضي من الطرفين بصورة واضحة مفهومة، وأن المرجع في ذلك هو العرف كما تدل على ذلك نصوص الفقهاء.
وأما البعد المكاني بين المتعاقدين – بالتليفون – فتترتب عليه المسائل الخاصة بمجلس التعاقد.
وقد ناقش البحث هذا الموضوع باستفاضة، وأثار ما ذكره الفقهاء واختلفوا فيه من خيار الرجوع، وخيار القبول، وخيار المجلس، وقد رجحنا بهذا الخصوص رأي الجمهور من حيث إن المتحدث بالتليفون الموجب له الحق في الرجوع عن إيجاب قبل قبول الآخر، وأن الموجه إليه لا يشترط على أن يتسارع إلى القبول فور سماعه، بل له الحق ما داما يتحدثان حول موضوع العقد، ولم يُعرضا عنه أو لم يقطعا المحادثة، فإذا قبل فقد تم العقد.
وقد رجحنا قول القائلين بخيار المجلس، لكننا قدرنا المجلس بفترة المحادثة وعدم انقطاع الخط مهما طالت، فإذا قبل الآخر، فقد انعقد العقد، لكنه لكل واحد منهما حق الخيار ما داما لا يزالان يتحدثان، ولم يقطعا المحادثة، فإذا أنهيا المحادثة وسدّا التليفون فقد انتهى المجلس ولزم العقد، لأنهما في الواقع متفرقان بأبدانهما، ولا وصال بينهما سوى المحادثة، فإذا انتهت انتهى المجلس حقيقةً وحكمًا، وقد وجدنا لذلك تأصيلًا فقهيًا ونصوصًا مساعدة.
وأما التعاقد باللاسلكي، فهو إذا كان مما ينقل الكلام الواضح، إلى الآخر فهو مثل التليفون في جميع الأحكام التي ذكرناها، وكذلك إذا كان يُنقل الكلام عن طريق الشفرات الواضحة المفهومة المسموعة للطرفين، حيث يتم العقد إذا فَهِما الإيجاب والقبول بوضوح.