للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيبدو أن كثيرا من حساب النجوم كانوا أيضا يشتغلون بتلك الأمور الباطلة التي نهت عنها الشريعة أشد النهى، فكان للقول باعتماد الحساب في الأهلة مفسدتان:

(الأولى) أنه ظني من باب الحدس والتخمين لا يعقل أن تترك به الرؤية بالعين الباصرة - رغم ما قد يعتريها من عوارض واشتباهات.

(والثانية) وهي الأشد خطورة والأدهى هي انسياق الناس إلى التعويل على أولئك المنجمين والعرافين الذين يحترفون الضحك على عقول الناس بأكاذيبهم وترهاتهم وشعوذتهم.

وهذه المفسدة الثانية هي التفسير لهذا النكير الشديد الذي أطلقه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على من يلجئون إلى الحساب حساب النجوم في أهلال الأهلة بدلا من الرؤية واعتبارهم من قبيل العرافين والذين يربطون أحداث الأرض وطوالع الناس وحظوظهم بحركات النجوم وسموا من أجل ذلك بالمنجمين وأتى بشاهد على ذلك الحديث النبوي الآنف الذكر وهو قوله عليه الصلاة والسلام: ((من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر)) .

فلا يعقل أن ينهى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن علم يبين نظام الكون وقدرة الله تعالى وحكمته وعلمه المحيط في إقامة الكون على نظام دقيق لا يختل ويدخل في قوله تعالى في قرآنه العظيم {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} فليس لهذا الحديث النبوي محمل إلا على تلك الشعوذات والأمور الباطلة التي خلط أولئك المنجمون بينها وبين الحساب الفلكي رغم أنه لم يكن قد نضج وبلغ في ذلك والوقت مرتبة العلم والثقة

٤- أما اليوم في عصرنا هذا الذي انفصل فيه منذ زمن طويل علم الفلك بمعناه الصحيح، عن التنجيم بمعناه العرفي من الشعوذة والكهانة واستطلاع الحظوظ من زعم حركات النجوم وأصبح علم الفلك قائما على أسس من الرصد بالمراصد الحديثة والحسابات الدقيقة المتيقنة التي تحدد حركات الكواكب بأجزاء من الثانية وأقيمت بناء عيه في الفضاء حول الأرض محطات ثابتة تستقبل مركبات تدور حول الأرض إلخ فهل يمكن أن يشك بعد ذلك بصحته ويقين حساباته، وأن يقاس على ما كان عليه من البساطة والظنية؟

<<  <  ج: ص:  >  >>