للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

-٢-

مسائل التعاقد بين الحاضرين

التي لها صلة بموضوع البحث وأحكامها

٢-١- الإيجاب:

٢-١-١- ماهية الإيجاب، التفرقة بين مفهومي (الإيجاب) و (الدعوة إلى الإيجاب) :

بعد دراسة العبارات المختلفة للفقهاء المسلمين الواردة في الكتب الفقهية يمكن للباحثين أن يجيبوا على السؤال الآتي بإجابتين مختلفتين: هل الإيجاب (١) في التعاقد بين الحاضرين في الفقه الإسلامي (تعبير ملقي) (وهو الذي يتم بمجرد صدوره) أم (تعبير متلقي) (وهو الذي لا يتم بمجرد صدوره بل لا بدَّ من توجيهه إلى الطرف المقابل؟ (٢) . ولكن هذه المسألة ليست لها أهمية كبيرة من وجهة نظر موضوعنا لأن العبارات الفقهية بخصوص ماهية الإيجاب في التعاقد بين الغائبين واضحة، فلذا – دون أن نقف عند هذه المسألة – نكتفي بالإفادة أن الإيجاب في التعاقد بين الحاضرين ينبغي اعتباره تعبيرًا متلقًّى وليس ملقىً (٣) .

والإيجاب يوجه عادة إلى شخص معين. فالدراسات النظرية للعقد التي تمت في ضوء تطبيقات العهود القديمة خاصة تتصور وتصور انعقاد العقد غالبًا بهذا الشكل ولهذا اشترط جمهور الفقهاء أن يتضمن الإيجاب الخطاب سوى بعض الحالات الاستثنائية. ومع ذلك، فإنه لا يسوغ القول بأن الفقهاء المسلمين اشترطوا هذا الشرط في الإيجاب بصورة قاطعة، وحقيقة نجد أن بعض الفقهاء الأحناف يكتفون بوجود المخاطبة في أحد شطري العقد فقط (٤) .أضف إلى ذلك أن موقف الفقهاء المالكية من عدم اشتراط توجيه الإيجاب إلى شخص معين يتجلى بصورة واضحة في العبارة التالية: (لو عرض رجل سلعته للبيع وقال من أتاني بعشرة فهي له فأتاه رجل بذلك أن سمع كلامه أو بلغه فالبيع لازم وليس للبائع منعه، وإن لم يسمعه ولا بلغه فلا شيء له، ذكره في نوازل البرزلي ومثله في المعيار) (٥) .

ويقول الدكتور القره داغي – ونحن نشاركه في رأيه –: (والذي يظهر لي هو عدم اشتراط تضمن الإيجاب الخطاب، بل كل ما يشترط هو أن يكون المقابل معلومًا ولو في الجملة. سواء كان واحدًا أو أكثر، وسواء كان معيَّنًا أو غير معيَّن، وبعبارة أخرى أن يكون الإيجاب جديًّا، يريد به الموجب إنشاء الأثر وكونه أحد ركني العقد المطلوب فحينئذٍ لا بدَّ أن يكون المقابل معلومًا أو يكون موجهًا للجمهور سواء كان التعاقد بين حاضرين أو بين الغائبين، وأن الأمر في ذلك يعود إلى أعراف الناس وعاداتهم) (٦) .


(١) انظر: سوار (وحيد الدين) ، التعبير عن الإرادة في الفقه الإسلامي / دراسة مقارنة بالفقه الغربي، الجزائر، ١٩٧٩، ص١٤٧ وأيضًا ص١١٧، هامش: ١؛ الدريني (السيد نشأت إبراهيم) ، التراضي في عقود المبادلات المالية، جدة، ١٤٠٢هـ/١٩٨٢م، ص٢٦٨.
(٢) انظر لتحليل عناصر هذين المصطلحين وللمصطلحات الأخرى المستخدمة للتعبير عن نفس المضمون سواء في الفقه الغربي أو في المؤلفات العربية المعاصرة مع المقارنة: سوار، التعبير، ص٣٧ وما بعدها، وخاصة ٧٤-٧٦؛ SCHWARZ، Borclar، vol. ١، p.١٧٢. وقد جاء في كلام د. سوار عبارة (إلى شخص معين) ، ولكننا فضلنا أن نقول (إلى الطرف المقابل) ، والحقيقة أن د. سوار أيضًا حينما يتناول هذا الخصوص بصفة خاصة يرى من الصائب استخدام تسمية (الموجه إليه التعبير المتلقي) ، أو (المخاطب المنشئ للتعبير المتلقي) ، (وفي مقابل ذلك لا يستصوب أن يقال (من يهمه أمر التعبير المتلقي، انظر: سوار، ص٩٠ هامش٢.
(٣) إن الرأي السائد في الفقه الحنفي هو أن الإيجاب تعبير متلقي. انظر: سوار، التعبير، ص١١١؛ وينظر أيضًا: الملحق رقم ١ في آخر هذا الكتاب. كما يوصف الإيجاب في الفقه الغربي بأنه تعبير متلقي يتم بالإرادة المنفردة، انظر: TUNCOMAG (kenan) ، SCHWARZ، Borclar، vol. ١، p. ٢٠٨-٢٠٩، Borclar Hukuku/Genel Hukumler، Istanbul، ١٩٧٢، vol. ١، p. ١٢٨.
(٤) سوار، التعبير، ص٨٠-٨١؛ الدريني، التراضي، ص٢٦٨؛ القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/١٠٧١-١٠٧٢.
(٥) الدسوقي، حاشية الدسوقي، ٣/٤.
(٦) القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/١٠٧٢-١٠٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>