للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويصرح الدكتور الدريني – مستندًا إلى كتابين لمؤلفين معاصرين أحدهما كتاب الشيخ على الخفيف المذكور في عبارة د. م.ي. موسى بأن المالكية يرون أن الموجب إذا قيد إيجابه بمدة تقيد بها، فلا ينتهي إيجابه بانتهاء المجلس كما يتقيد كذلك بما يجري به العرف إذا جرى العرف على تقييد الموجب بمدة معينة الدريني، التراضي، ص٢٧٤ (وهذان الكتابان هما: (١) علي الخفيف، أحكام المعاملات، ط١٩٤٤م، ص١٧٥، (٢) محمد مصطفى شلبي، نظام المعاملات، ص٢٤٣) . ونرى أن د. شلبي (محمد مصطفى) ، يعيد الرأي نفسه في كتاب آخر له، وهو: المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي وقواعد الملكية والعقود فيه، بيروت، ١٤٠٣هـ/١٩٨٣م ص٤٣٠-٤٣٢، ويستند في هذا الرأي إلى كتاب مواهب الجليل للحطاب، ٤/٢٤١، بيد أن هذا المرجع لا يحتوي – في المكان المذكور – إلا على المسألة التي أشار إليها د. م.ي. موسى والتي لا تدل على هذه النتيجة مباشرة، وعلى العبارة التالية التي تدل على إلزامية الإيجاب – بصفة عامة -: (لو رجع أحد المتابعين عما أوجبه لصاحبه قبل أن يجيبه الآخر لم يفد رجوعه إذا أجابه صاحبه بعد القبول) .

ومهما يكن من الأمر، فإن هذا الرأي يوافق والمبادئ السائدة في الفقه (١) المالكي – على ما نرى -، لأنه يعتبر أوسع المذاهب بخصوص الإدارة المنفردة حيث يمكننا القول بأنه جعل الإرادة المنفردة مصدرًا عامًّا للالتزام وذلك من خلال اعتباره عدة أمور أهمها: إعطاء القوة الملزمة للإيجاب بوحده دون الحاجة إلى القبول، بحيث لا يستطيع الموجب سحبه إلى أن ينتهي من المجلس أو يرفضه الطرف الآخر (٢) . كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فإذا كان الإيجاب ملزمًا للموجب مدة يعين العرف مداها – أي إذا تحددت المدة بصورة ضمنية – فمن باب أولى يجب أن يكون الإيجاب ملزمًا إذا حدد الموجب ميعادًا يلتزم به بإرادته الصريحة. ومن ناحية أخرى، فإن هذا الحكم يلائم المبادئ المعروفة للالتزامات في الفقه الإسلامي عامة، منها ما يلاحظ في أحكام الخيارات من القيمة البالغة لإرادة الطرفين أو أحدهما في تحديد الصفة الإلزامية للعقد. أضف إلى ذلك أن الغاية المقصودة من إلزام الموجب نفسه بإيجابه ليست مخالفة نظام التعاقد والهدف المنشود من تشريع أحكام العقود، بل على العكس من ذلك فإنها عبارة عن سد حاجات الطرفين وتحقيق مصالحهما دون أن يضر أو يتضرر أحد منهما. وتجدر الإشارة إلى أن الأهمية البالغة التي يحظى بها هذا الحكم تتجلى بكل وضوح في التعاقد بين الغائبين كما سيأتي بيانها.


(١) مع أن د. الجميلي قد أصاب حينما قال (وذهب المالكية إلى الأخذ بالإيجاب الملزم وهو صورة من صور نشوء الالتزام بالإرادة المنفردة) ، إلا أنه لم يحالفه الصواب إذ قام بإثبات هذه الفكرة بذكر الأمثلة. لأن كلا المثالين الذين ذكرهما د. الجميلي في هذا المضمار يتعلقان في حقيقة الأمر بعدم قبول خيار المجلس، لأنه لا يلاحظ أن القبول قد صدر قبل رجوع الموجب عن إيجابه في كل من هذين المثالين. انظر الجميلي (خالد رشيد) ، الجعالة وأحكامها في الشريعة الإسلامية والقانون / نظرية الوعد بالمكافأة، بيروت، ١٤٠٦هـ/١٩٨٦م، ص١٧٢. وينظر بخصوص تقييم قبول نظرية (الإرادة المنفردة) في الفقه الإسلامي إلى ص٨-٩ من هذا الكتاب. ومن جهة أخرى، يجدر بنا أن نذكر هنا أننا لا نرى صائبًا الرأي الوارد في كتب بعض رجال القانون الذي يقول – لتوضيح حكم عدم إلزامية الإيجاب الوارد في كل من القانون الروماني والفقه المشترك (Pandect) ومجلة الأحكام العدلية -: (لأن هذه الأنظمة القانونية لا تعترف بترتب الحكم على الإرادة المنفردة، انظر: SAYMEN-ELBIR، TURK Borclar Hukuku، Istanbul، ١٩٥٨، vol، ١/١، p.١٠١ نقلًا عن: FEYXIOGLU (Necmeddin) ، Borclar Hukuku/Genel Hukumler، Istanbul، ١٩٧٦، vol. ١، p. ٧١-٧٢. لأنه لا يمكن القول بأن المجلة وحدها تمثل الفقه الإسلامي، أي هناك من يقول بإلزامية في الفقه الإسلامي من جهة، ولأن هناك أحكامًا تترتب على الإرادة المنفردة في الفقه الحنفي أيضًا من جهة أخرى.
(٢) القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/١٠٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>