للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحرى بنا أن نذكر هنا أن معظم التشريعات الحديثة قررت بأن الموجب إذا حدد ميعادًا للقبول، يكون ملزمًا بإيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد، علمًا بأن هذا الحكم يكون بيت القصيد بالنسبة للتعاقد بين الغائبين في أغلب الأحيان ينظر مثلًا: القانون المدني المصري (م.٩٧) ؛ القانون المدني العراقي (م.٨٤) ؛ قانون الموجبات والعقود اللبناني (م.١٧٩) ؛ القانون المدني الكويتي (م٤٦) ؛ المدونة المدنية التونسية (م.٢٧) .

٢-٢- القبول:

إن الأصل هو خيار القبول في الفقه الإسلامي، أي أن الطرف الموجه إليه الإيجاب مخيَّر بين قبوله ورده، ولا يصادف في الفقه الإسلامي باستثناء من هذا الأصل. (١) .

يقول الدكتور محمصاني: (غير أن القانون اللبناني، وإن كان قد أثبت المبدأ بأن من يوجه إليه العرض حر في رفضه ولا يتحمل تبعة ما بامتناعه عن التعاقد، إلا أنه أتبعه باستثناء طريف، متأثرًا في ذلك بنظرية سواء استعمال الحقوق. وهذا الاستثناء يتعلق بحالة من يضع هو نفسه في معرض من شأنه استدراج العرض،) كالتاجر تجاه الجمهور أو صاحب الفندق وصاحب المطعم، أو رب العمل تجاه العمال. ففي هذه الحالة يجب أن يسند امتناعه عن التعاقد إلى أسباب حريَّة بالقبول، وإلا كان امتناعه استبداديًّا وجاز أن تلزمه التبعة من هذا الوجه (المادة ١٨١) (٢) . إلا أننا نلاحظ أن مثل هذه الأحكام الواردة في القوانين يمكن اعتبارها من قبيل القرينة القانونية التي يسترشد بها القاضي في تفسير إرادة الطرفين ويحكم بموجبها – مبدئيًّا – بأن عرض هؤلاء الأشخاص إيجاب ملزم وليس دعوة إلى الإيجاب.

ومما يجب الانتباه إليه في هذا الموضوع هو أن الحالات التي يمكن وصفها بأنها حالات (القبول الضمني) لا ينبغي تصورها بأن المخاطب أصبح ملزمًا بالقبول فيها (٣) .

ويشترط أن يصدر القبول ممن وُجِّه إليه الإيجاب لا من شخص آخر، وقد صرح الفقهاء الشافعية بأن القبول لا يجوز من غير من وُجِّه إليه الإيجاب ولو كان موكله، أما الفقهاء الأحناف فقد جوزوا قبول الفضولي، ففي مجلس العقد موقوفًا على إجازة المخاطب الغائب.

وكما سبق أن أشرنا إليه أن الإيجاب إذا وجه إلى الجمهور لا يجب أن يتم القبول من طرف شخص معين عند المالكية (٤) .

ويمكن الرجوع عن القبول إلى غاية وقت انعقاد العقد على الصعيد النظري، بيد أن إمكانية استعمال هذا الحق، إذا قلنا بأن العقد ينعقد بمجرد إعلان القبول، تكاد تنعدم على الصعيد العملي. أما مسألة انعقاد أو عدم انعقاد العقد بمجرد إعلان القبول فلها صلة وثيقة بمسألة وصف (القبول) هل هو تعبير متلقى أم تعبير ملقى؟ فبما أن هذه المسألة الأخيرة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالعنوان التالي، فإنه سيتم تناولها فيه أي تحت عنوان (٢-٣) .


(١) محمصاني، النظرية العامة، ٢/٣٩.
(٢) محمصاني، النظرية العامة، ٢/٣٩.
(٣) وللاطلاع على حالات القبول الضمني يمكن الرجوع خاصة إلى عناوين (دلالة المعاطاة على الرضا) و (دلالة السكوت على الرضا) في الكتب الفقهية والمؤلفات الحديثة. انظر من وجهة نظر الفقه الإسلامي: محمصاني، النظرية العامة، ٢/٥٠-٥١، ٥٢ وما بعدها؛ الدريني، التراضي، ص١٥٦ وما بعدها و ١٧٦ وما بعدها؛ القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/١٧٩ وما بعدها. وانظر من وجهة نظر الفقه الغربي: SCHWARZ، Borclar، vol. ١، p. ٢٢٧-٢٣٠، GHESTIN، Traite de Droit Civil، vol.٢، p. ١٧٢-١٧٤، ٢٢٦ ... etc، ٢٣٩ ... etc.
(٤) انظر في هذا الموضوع (مع الشروط الأخرى للقبول) : الدريني، التراضي، ص٢٨١-٢٨٤. ومن البديهي أن خاصية العقد تحظى بأهمية كبيرة في هذا الخصوص، ولهذا لم نرد أن نطيل الكلام في هذا المقام

<<  <  ج: ص:  >  >>