للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومع هذا فالفقهاء الأحناف لم يشترطوا الفورية وأجازوا صدور القبول ما لم يحدث شيء يدل على انتهاء المجلس وذلك لضرورة التأمل والتروي. وكذلك الحكم في المذهبين المالكي والحنبلي (١) . أما الشافعية فقد اشترطوا الفورية حيث يجب أن لا يكون الفاصل بين الإيجاب والقبول إلا يسيرًا أي ما لا يتجاوز حد الضرورة (٢) . وتجدر الإشارة هنا إلى أن حكم خيار المجلس الوارد في هذا المذهب قد يزيل إلى حدٍ ما الحرج الذي يعاني منه المخاطب من أجل شرط الفورية.

ويرى معظم الباحثين في مجال الفقه الإسلامي أن الرأي الملائم لمبادئ الفقه الإسلامي ولمصلحة الطرفين في هذه المسألة هو رأي الجمهور (٣) . كما أن التشريعات الحديثة تعول غالبًا على هذا الرأي، فعلى سبيل المثال تقول الفقرة الثانية من المادة (٩٤) من القانون المدني المصري: (ومع ذلك يتم العقد، ولو لم يصدر القبول فورًا ... ) (إلا أنه يجب أن لا يفوتنا الحكم الذي يحدد مدة إلزامية الإيجاب الوارد في نفس المادة وهو: ( ... فإن الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورًا.

ويتضح مما سبق، أن ارتباط الإيجاب بالقبول ليس ماديًّا بل هو حكمي (اعتباري) . أما اتحاد المجلس فهو – في التعاقد بين الحاضرين – مادي بحيث لا يتحقق اتحاد المجلس إلا بوحدة المكان (٤) . إلا أن المؤلفين في الفقه الحنفي بخاصة – مع اعترافنا بدقتهم في تناول المسائل في إطار المفاهيم الفقهية – وهذا الموقف يقابله منهج (Begriffsjurisprudenz) من مناهج التفسير – قد غالوا في تصوير اتحاد المجلس تصويرًا ماديًّا يعبر الدكتور السنهوري عن موقفهم هذا بـ (الإغراق في المادية) انظر لعبارات المؤلفين الأحناف ولانتقادها: السنهوري (عبد الرزاق) ، مصادر الحق في الفقه الإسلامي/ دراسة مقارنة بالفقه الغربي، القاهرة، ١٩٦٧م، ٢/١١-١٤. انظر في مجلس العقد ونتائجه – مقارنًا بين الفقه الإسلامي والفقه الوضعي -: الدريني، التراضي، ص٢٨٦-٢٩٩ انظر أيضًا الزحيلي، العقود المسماة، ص٢٠-٢٢، شلبي، التعريف، ص٤٢٢-٤٢٤، القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/١٠٧٦-١٠٧٧.وتجدر الإشارة إلى أن د. سوار قد قام ببحث يتسم بالدقة والإتقان يسلط الأضواء على مواقف مذاهب الفقه الإسلامي من نظرية مجلس العقد. انظر: سوار (محمد وحيد الدين) , الشكل في الفقه الإسلامي ١٤٠٥هـ/ ١٩٨٥م، من منشورات معهد الإدارة العامة (المملكة العربية السعودية) ، ص١٣٨ وما بعدها. .


(١) ابن نجيم، البحر الرائق، ٥/٢٨٤؛ الحطاب، مواهب الجليل، ٤/٢٤٠ (هناك رأي آخر في الفقه المالكي، انظر: شلبي، المدخل، ص٤٢٣، هامش١) ؛ البهوتي، كشاف القناع، ٣/١٤٧-١٤٨.
(٢) النووي، المجموع، ٩/١٦٩.
(٣) انظر مثلًا: شلبي، المدخل ص٤٢٢-٤٢٤؛ الدريني، التراضي، ص٢٩٥-٢٩٦؛ القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/١٠٧٩.
(٤) سيتم تناول مسألة تطبيق أحكام التعاقد بين الحاضرين – من حيث الزمان – في التعاقد بواسطة التلفون – بالرغم من عدم حصول وحدة المكان فيه – تحت عنوان (٤-) من هذا البحث.

<<  <  ج: ص:  >  >>