للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنتمكن من الحكم بأن الارتباط (الذي هو حكمي كما أشرنا إليه سابقًا) بين الإيجاب والقبول قد تحقق، فإنه يجب أن تتوفر بعض الشروط في القبول. فالشرط الذي يحظى بأهمية كبيرة من وجهة نظر موضوعنا هو صدور القبول قبل سقوط الإيجاب. ولهذا ينبغي لنا أن نلقي نظرة عابرة إلى حالات سقوط الإيجاب، وهي (قبل صدور القبول) :

(أ) رجوع الموجب عن إيجابه.

(ب) رفض المخاطب للإيجاب.

(ج) وفاة الموجب أو فقد أهليته.

(د) وفاة المخاطب أو فقد أهليته.

(هـ) هلاك المعقود عليه أو تغييره.

ونظرًا لعدم اتصال الحالات الثلاث الأخيرة ببحثنا مباشرة ولئلا يتجاوز حجم البحث الحدّ المعقول ينظر في هذا الموضوع مثلًا: موسى (م. ي.) ، الأموال ونظرية العقد، ص٢٦٢-٢٦٣؛ الدريني، التراضي، ص٢٧٨-٢٨١، ٢٨٦-٢٨٧؛ السنهوري، مصادر الحق، ٢/١٦-١٧؛ محمصاني، النظرية العامة، ٢/٤٠-٤١؛ القره داغي، مبدأ الرضا، ٢/١٠٧٣. . سنكتفي بالإشارة إلى بعض النقاط الهامة بالنسبة للحالتين الأوليين فقط:

(أ) رجوع الموجب عن إيجابه:

إن رجوع الموجب عن إيجابه قبل صدور القبول يسقط الإيجاب. ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الرأي السائد في الفقه المالكي يقول بالصفة الإلزامية للإيجاب. أما اشتراط علم المخاطب بهذا الرجوع فقد أشرنا سابقًا (٢-١-٢) أن هناك رأيين يؤيد أحدهما (نظرية العلم) والآخر (نظرية الإعلان) في الفقه الحنفي.

فالرجوع عن الإيجاب نوعان:

(أأ) الرجوع الصريح: إذا رجع الموجب قبل صدور القبول عن إيجابه صراحة ولو في بعضه (١) بطل الإيجاب (٢) .

(ب ب) الرجوع الضمني: لو ترك الموجب مجلس العقد قبل قبول الطرف الآخر وكذلك لو صدر من الموجب قول أو فعل يدل على الإعراض بطل الإيجاب (٣) .

ومن جهة أخرى، فإن تكرار الإيجاب مع التبديل يعتبر إعراضًا ورجوعًا ضمنيًّا عن الإيجاب الأول، إلا أن الحنفية يعتبرون الإيجاب الثاني إيجابًا جديدًا (٤) . والشافعية لا يعتدُّون به ويشترطون ألا يغير الموجب شيئًا مما تلفظ به إلى تمام الشق الآخر (٥) ونرى أن قول الحنفية هو الراجح سواء من ناحية التعليل الفني أو من ناحية المقاصد والمبادئ الشرعية أي موافقته لما تقتضيه طبيعة المعاملات وجريان العادة في هذا الموضوع (٦)


(١) ابن نجيم، البحر الرائق، ٥/٢٨٨؛ البهوتي، كشاف القناع، ٣/١٤٨.
(٢) مجلة الأحكام العدلية، المادة: ١٨٤؛ البهوتي، كشاف القناع، ٣/١٤٨.
(٣) مجلة الأحكام العدلية، المادة: ١٨٣.
(٤) مجلة الأحكام العدلية، المادة ١٨٥. وبهذا الرأي أخذ القانون المدني العراقي في مادته: ٨٣.
(٥) الرملي، نهاية المحتاج، ٣/٣٨٢ نقلًا عن: الدريني، التراضي، ص٢٧٦.
(٦) انظر أيضًا: الدريني، التراضي، ص٢٧٦-٢٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>